صناعة السلام

 

كيف نحقق ثقافة السلام؟ وهذا يعني كيف نتجاوز ثقافة العنف السائدة الآن وربما لا يقتصر هذا ألأمر على المجتمع العراقي فقط ،بل يتعداه لمجتمعات أخرى.

والعنف يتولد عندما نهمل القواسم المشتركة التي تجمعنا ونبحث عن نقاط الاختلاف التي عادة ما تؤدي في نهاية المطاف لأن تفرقنا،ومن خلال معايشتنا لما جرى في العراق بعد 2003 وجدنا إن العنف الذي دخل إلينا من أبواب عديدة كان مستوردا وليس صناعة عراقية،لأن الثقافة والموروث العراقي تقوم على التعايش السلمي وهذا يعني إن ثقافة السلام مترسخة في الوعي الجمعي العراقي منذ آلاف السنين بدليل تعايش كل الديانات السماوية في هذا البلد الذي هو بالأساس بلد متعدد القوميات،وهذا ما يجعلنا نقول إن ثقافة العنف كانت مستوردة ودخيلة على فكر المجتمع العراقي .

 

وهذا يقودنا لأن نقول بصراحة لكي نعيد ثقافة السلام علينا أن نطرد الأفكار الخارجية التي كانت العامل الرئيسي في تأجيج العنف وبالتالي تمهد هذه الإجراءات لأن نعيد حساب الروابط المشتركة بيننا والتي لا تحصى ونجعل من نقاط الاختلاف التي سيطرت على عقول البعض في السنوات الأخيرة لعامل إيجابي في أثراء تجربة التعايش السلمي في العراق منذ فجر الحضارات ،خاصة وإن تاريخ العراق القديم والحديث منه لم تكن في صفحاته حروب أهلية وعمليات عنف عرقية أو دينية،بل الجميع يعمل لهذا البلد ولعل هذه النقطة هي التي منحت العراق الريادة التاريخية والحضارة العريقة التي تعلم منها العالم كثيرا.

 

وهذا ما يجب أن تركز عليه وسائل الإعلام وخطباء الجوامع وأن يكون جزءا مهما من المنهج المدرسي العراقي.

 

والشعب العراقي لديه مقومات كثيرة تساعده على نبذ العنف أهمها بكل تأكيد إننا عانينا كثيرا العنف والعنف المضاد ودفعنا ثمنا غاليا جراء هذا الفكر السلبي الذي جعل من بلادنا ساحة مفتوحة لحوار السلاح الذي لا يرحم أحدا ولا يمكن أن يكون أداة للحوار بقدر ما إنه وسيلة سهلة لتحطيم البناء الاجتماعي وتفتيت الشعب لأقليات متناحرة فيما بينها.وهذا ما يعني إننا بأمس الحاجة لأن نجرب الحوار الذي من شأنه أن يوصلنا لنهاية مرضية لجميع الأطراف التي تجد نفسها في نهاية المطاف تجلس على طاولة الحوار التي تكون المكان الصحيح لمناقشة الأمور وإيجاد الحلول المناسبة لكل قضية.

 

ولعل العالم عاش حروبا كثيرة وفي نهايتها يكون حوار بين ألأطراف حيث لا منتصر في هذه الحروب فالجميع يحصي خسائره ولا أحد يجني الأرباح حتى وإن أجهز على عدوه فإنه خسر أيضا أشياء كثيرة.

 

واليوم نجدد الدعوة للقوى السياسية العراقية والنخب الثقافية والمجتمعية لأن تتخذ من الحوار وسيلة للوصول للغايات المشروعة بدلا من العنف بكل أشكاله سواء المادي أم المعنوي أم حتى التصريحات المحرضة على العنف والعنف المضاد.