الصحيح والخطأ

 

تظل عندي عبارة (لا يصح الا الصحيح) اثيرة متمكنة من قناعاتي الفكرية، لا استبدلها بأية عبارة اخرى، فهل يعقل الا ان تكون صحيحة مئة بالمئة، فالصحيح ابقى من الخطأ، بل هو اجمل وانقى واكثر عافية وحضوراً في الذهن والذاكرة والقيم الاجتماعية. نعم، لا يصح الا الصحيح، فلا يمكن لك مثلاً ان تقول عن الفساد انه نعمة وان تقول عن الخراب انه بناء، ذلك لان الامر سيبدو وكأنك تسير عكس تيار الحقائق والمتعارف عليه وغير المشكوك فيه. واذا ما قال احدهم ان ما يصح هو ان تتحول الى لص او نصاب او كذاب، فانك سترى فيه فاقداً للاهلية والعقل والاخلاق التي عشت عليها ومكنتك لان تكون عنصراً اجتماعياً ايجابياً وفاعلاً في ميدانك الشخصي، ولكني تفاجأت مرة حين تحاورت مع احدهم ان قال لي: انك واهم وموهوم، فلقد تغيرت الحال الان، واصبح الابيض اسود، وتغيرت الوان القوس قزح جميعها الى اللون الرمادي، فاللص صار سيداً في مجتمعه، والمحتال اكثر طمأنينة على مستقبله المادي والاجتامعي منك ومن عشيرتك، والكذاب يصدقه الجميع، في وقت لا يصدقك فيه احد!. كانت مداخلته مؤلمة لي على نحو شاسع، اغمضت عيني كأنني لا اراه، وسددت اذني بأصبعي لعلي لا اسمع منه مزيداً من القول وكابرت مع نفسي، متمنياً ان ينتهي هذا الحوار بهدوء تام، فليس من طبعي استعمال الاحذية والايدي ومنفضات السجائر، ولكنني ابتسمت له بهدوء وانا اقدر مقدار الالم الذي يحس به والذي اوصله الى هذه القناعات الزائفة. انا على يقين بأنه لا يؤمن بما يقول، وانما فرضت عليه ذلك صروف الزمان وهو يرى انعكاساً واسعاً في السلم الاجتماعي وسقوطاً مذهلاً لنيازك الكراهية على الرؤوس، وشيوع الاسفاف وقلة الذوق وانعدام المسؤولية الاخلاقية وعدم الاحساس بالتألق الاجتماعي وصيانة العقد الاجتماعي متكوباً كان ام متعارفاً عليه!. هل يعقل ان تصبح العبارة على الشكل التالي: لا يصح الا الخطأ، كلا والف كلا، فالصحيح هو الابقى والانقى، برغم كل ما يسود مجتمعنا من منزلقات خطرة معروفة اسبابها ونتائجها، ولكنها مرحلة سوف تنقضي، تماماً كمت انتهت الفترات المظلمة في تواريخنا السالفة، وسوف يظل شعار لا يصح الا الصحيح، سيداً بين كل الشعارات.