لماذا لا نقيم نصبا للفاسدين في العراق؟ لنتعلم من تجربة اسكتلندا |
في زيارة قمنا بها مؤخرا الى العاصمة الاسكتلندية أدنبره وقلعتها التاريخية والى كاتدرائية سانت جايلز التي تم بناؤها في عام 1120، وضمن برنامج سفرتنا كانت هنالك فقرة وهي عبارة عن جولة حرة في معالم هذه المدينة التاريخية العريقة وفي شوارعها المرصوفة بالحجر خاصة شارع الرويال مايل المتميز.
بعد الاستمتاع بمناظر المدينة الخلابة، اخذنا المرشد السياحي سيرا على الاقدام الى اهم الاماكن الاثرية والمباني التي تعود للعصور الوسطى والنصب البارزة والكنائس والقلاع التاريخية. وخلال الجولة الممتعة اشار الدليل الشاب الى نصب كبير رابض في ساحة القديس أندرو في قلب المدينة الجديدة (نيو تاون) ارتفاعه 150 قدما يعود لهنري دانداس (1742- 1811) الشخصية المعروفة التي لعبت دورا كبيرا في تشجيع التنوير الاسكتلندي. وكان اول وزير دولة لشؤون الحرب ابان اندلاع الثورة الفرنسية ثم اصبح وزيرا للداخلية. إضافة الى ذلك، فقد كان هنري دانداس امينا عاما للصندوق المالي للقوات البحرية في الاعوام (1782- 1800). ففي عام 1805 شكلت لجنة خاصة للتحقيق في اداء المؤسسة المالي بعد ان ازدادت الشكوك حول خروقات وفساد يتعشعشان في مرافق المؤسسة التي كان يديرها. وبعد ان تم التحقيق الاصولي معه وصدر قرار المحكمة، تمت اقالته في عام 1806 بتهمة الفساد والتلاعب بالمال العام. ولم يتمكن هنري دانداس من العودة الى كنف الدولة ولا ان يتبوأ اي منصب في المؤسسات الرسمية.
ورغم انه فضل البقاء بعيدا عن الاضواء، إلا ان قرار المحكمة و ظلال التهمة لاحقته وظلت لصيقة بإسمه رغم مرور الزمن، خاصة بعد ان اجبرته السلطات المسؤولة في اسكتلندا على ان يدفع تكاليف النصب الذي اقيم له في قلب العاصمة أدنبره، ليكون عبرة لمن اعتبر، ومازال الناس يتذكرونه ويشيرون الى التهمة التي لصقت به، ولا احد يتوقف اليوم عند الانجازات التي حققها طوال حياته، لإنه لم يظل لدى الشعب الاسكتلندي بطلا نبيلا بل اضحى محتالا وضيعا- حسب المرشد السياحي. ياترى كم نصب سيكفي العراق المبتلى بسياسيي الغفلة الزمنية بعد عام 2003 المختصين بشتى انواع الفساد اللعين؟ وكم منها سيكون من حصة العاصمة بغداد؟ خلافا لما طالب به السيد مقتدى الصدر ب"إلقاء الفاسدين في حاوية النفايات" اطالب الحكومة والجهات المسؤولة ان تقيم نصبا للمسؤولين العراقين الفاسدين، طبعا بعد ان يثبت تورطهم وادانتهم وارغامهم على دفع تكاليف النصب التي تقام لهم، إسوة بما جرى في اسكتلندا حيث وضعت بجدارة حدا للفساد والمفسدين منذ قضية هنري دانداس في عام 1806. ان إقامة هذه النصب مهمة، لإنها ستكون مدعاة للسخرية، وستتذكرالاجيال القادمة اصحابها وسيبصق المارة في وجوههم وعلى نصبهم وافعالهم المشينة وتاريخهم الاسود. |