احذروا من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره

لاشك في ان الانسان كفرد والاسرة كجزء من المجتمع وكل الشعوب تبني حضاراتها بالاستفادة من تجاربهم السابقة وتجارب الاخرين بغض النظر عن جدوى التجربة بل المهم ان تفضي الى نتائج ايجابية تخدم الحياة بجوانبها المتعددة.
فالحياة تجارب، وما لم تتكامل التجارب عن طريق التبادل، ستظلّ المعرفة محصورة في نطاق ضيّق ولن يتسع أفقها ويتفاعل تأثيرها على حياة الناس لتزيدهم معرفة وفهمًا للحياة، التي كانت وماتزال عبر تاريخها الطويل تتطوّر بدافع التجارب التي يمرّ بها البشر.
وعن طريق الاختلاط او التعايش يجَرّب الطرف الآخر في امور معينة ، وربما يكون نتيجة تلك التجربة التعرض للأذى الجسدي او النفسي او الخسارة المادية والمعنوية ، ولكن لأسباب معينة او مصلحة خاصة او عامة يكرر المرء التجربة من جديد ويسعى للتقرب من الشخص المذكور عسى ان يكون الطرف الآخر قد غير سلوكه السلبي وعاد الى رشده.
الشعب الكوردي عبر نضاله الطويل والمرير وقواه السياسية جرّبوا جميع الانظمة الحاكمة التي توالت على حكم العراق الحديث منذ تأسيسه في
عشرينيات القرن الماضي وحاول مراراً نيل حقوقه عبر السبل الديمقراطية و القانونية والسلمية ، لكنه برغم تحقيق بعض المكاسب المرحلية الا ان تجاربه مع تلك الانظمة لم توصله الى طموحه في العيش كمواطنين من الدرجة الاولى اسوة بالاخرين ، اذ تعرض شعبنا الى شتى انواع الظلم والاضطهاد ووصل الامر بتلك الانظمة الى ارتكاب ابشع الجرائم غير الانسانية ضده من انفالات ومقابر جماعية فضلا عن استخدام الاسلحة الكيماوية والجرثومية المحرمة دوليا.
بعد التغيير الذي حصل في 2003 بانهاء الحكم الدكتاتوري البغيض وبناء ما سميت بالعملية السياسية نسينا كل الآم واوجاع الماضي القريب ، وعملنا بكل صدق وتفان الى جانب القوى السياسية العراقية الاخرى لطي ونسيان صفحة القتل والدمار السابقة وفتح صفحة جديدة من التعاون الاخوي والعمل المشترك ، من اجل التعايش السلمي والتآخي بين جميع مكونات الشعب العراقي على اساس العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص ، واسهمنا في كتابة دستور جديد للبلاد ليكون وثيقة او عقداً قانونياً لعمل السلطات الثلاث وفصل صلاحياتها عن بعض وبناء البلد على اساس القانون والمبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان التي ناضلنا من اجلها عقوداً من الزمن وقدمنا تضحيات جساماً لنيلها ، لكن بعض شركائنا في العملية السياسية وعلى رأسها السيد رئيس الحكومة نوري مالكي سرعان ما انقلب على الدستور وفتح جبهة معادية ضد الكورد وسعى وبشتى السبل تهميش المكون الكوردي وقواه السياسية في البرلمان والحكومة وخلق فجوة كبيرة بين
اربيل وبغداد ووصل الامر به الى تهديد اقليم كوردستان بتشكيل قوات دجلة والجزيرة واستفزاز قوات البيشمركة في المناطق المتنازع عليها وسعى لخلق فتنة قومية واراقة الدماء بين ابناء الشعبين العربي والكوردي.
واستمر القيادي في حزب الدعوة ورئيس الوزراء السابق بمعاداة الكورد الى ان وصل الامر به الى قطع موازنة الاقليم فضلا على قطع رواتب الموظفين وقوات البيشمركة التي دافعت عن العراق الجديد والحفاظ على العملية السياسية التي اعلن المالكي بنفسه مراراً بانها جزء من المنظومة الدفاعية العراقية ، وطلب في حينها من الجانب الكوردي ارسال تلك القوات لحماية المقار الحكومية والوزارات التي تعرضت لهجمات منظمة وخطيرة من العصابات الارهابية المتمثلة بالقاعدة ومشتقاتها فضلا على انتشارها في المناطق الساخنة في الحرب الطائفية.
اليوم يتظاهر السيد المالكي كمصلح على غرار (بشير الدين المتنبي الكذاب) كما يتظاهر بحرصه على مصالح الشعب الكوردي و يستقبل وفودا من قوى سياسية كوردية في بغداد من دون اخرى ويزور السليمانية للأجتماع مع قيادات تلك القوى سعيا منه لتشديد الخلافات الكوردية الكوردية واتساع الهوة بين الاحزاب الكوردية التي طالما اختلفت وجلست على طاولة الحوار وحلت خلافاتها.
قبل شهرين من زيارة السيد المالكي ، زار وفد من حزب الدعوة برئاسة القيادي في الحزب علي العلاق مدينة السليمانية ، قيل ان الهدف من الزيارة الاجتماع مع النواب الكورد، ومناقشة الازمة في البرلمان العراقي.
واجتمع الوفد بحسب تسريبات اعلامية في بيت النائبة الا طالبانى مع قيادات في الاتحاد الوطني الكوردستاني، ومن ثم اجتمع في بيت نائب رئيس مجلس النواب العراقي ارام شيخ محمد مع قيادات في حركة التغيير" ، كان الهدف الحقيقي من تلك الاجتماعات الاعداد لزيارة المالكي الى السليمانية.
المثير للدهشة والاستغراب معا، عندما سئل السيد المالكي في المؤتمر الصحفي مع القيادي في الاتحاد الوطني الكوردستاني ملا بختيار عن هدف زيارته الى السليمانية قال :" انه جاء لتهنئة الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير بمناسبة توقيع الاتفاقية الاخيرة بينهما في حين قبل زيارته الى السليمانية زار بغداد وفد مشترك من الحزبين الكورديين المذكورين والتقوا بقيادات القوى السياسية العراقية، من ضمنهم قيادة حزب الدعوة الاسلامية والمالكي شخصيا ، اذاً لماذا لم يقدم السيد المالكي تهنئته عند لقائه الوفد الكوردي في بغداد؟
ومن جانب صرح النائب محمد الصيهود المقرب من المالكي لوسائل الاعلام ، بان الهدف الرئيس من زيارة المالكي الاخيرة للسليمانية هو التنسيق مع الحزبين الكورديين لتشكيل كتلة سياسية كبيرة في مجلس النواب
العراقي ، الذي يعتقد المراقبون السياسيون انه سيعمق بدوره الخلافات الكوردية الكوردية ويعمل على تشديد الانقسامات الداخلية في الاقليم التي ستخدم في النتيجة مصالح بعض القوى السياسية العراقية المقربة من طهران التي تتربص وتتحين الفرص لضرب مصالح الشعب الكوردي ومكتسباته التي تحققت في عقود من النضال الدؤوب والتضحيات الجسام.
نظرا لتجربتنا المرة مع حزب الدعوة الاسلامية بعد 2003 ومع شخص المالكي بوصفه ابرز قياداته ، فأن تجربة المُجَرّب هو خطأ فادح يترك اثارا خطيرة على مصالح شعبنا ومن الضروري للحزبين الكورديين الاتحاد الوطني والتغيير ان ينظرا الى الافق البعيد ويعيدان حساباتهما وان يعيا خطورة المرحلة والظرف الحساس الذي يمر به الاقليم والمنطقة برمتها وان يكونا بمستوى المسؤولية الوطنية والقومية ازاء الورقة الجديدة الموبوءة التي يلعبها المالكي وحزبه بدعم اقليمي لضرب مصالح اقليم كوردستان وقلب الطاولة على جميع الاحزاب الكوردية والنيل من التجربة الديمقراطية والامن والاستقرار في هذه البقعة الآمنة من الشرق الاوسط والاهم من كل ذلك خلق عقبات ومشاكل امام اجراء الاستفتاء العام المزمع اجراؤه نهاية العام الحالي والحيلولة من دون نجاحه.