تقرير : أسرار كركوك في قلعتها

تقول الحكاية :

حين مرّ نبو خذ نصر في رحلته إلى أورشليم ، كانت أرابخا (كركوك الحالية) في طريق رحلته، فأمر نبو خذ نصر جنوده ، بأن يحمل كل فرد منهم كيس تراب فيفرغه في مكان قرب النهر في أرابخا (نهر خاصة صو والذي جفّ الآن تماماً) لكي يرتفع المكان، فيكون لهم دار إستراحة حين عودتهم من أورشليم بالنصر، وهكذا فعل الجنود، فبنوا قاعدة قلعة كركوك الترابية والتي هي تلة غير طبيعية، بل صنعها المحاربون الذاهبون إلى الحرب.وفي طريق عودتهم ومعهم الأسرى وأنبياء بني إسرائيل، ولروعة المكان قرب النهر، رغب البعض بالبقاء ، فأصبحت القلعة مدينة، وجعلوها تشبه الجنائن المعلقة بحدائقها المتدرجة التي كانت وظلت حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، حين أمر صدام بقطع تلك الأشجار مع أمره بتجفيف نهر( خاصة صو ) بذريعة مشروع إروائي ينقل ماء (نهر خاصة) إلى المزارع حول كركوك. فأختفت تلك الحدائق التي كانت تحيط بالقلعة، وأختفى النهر تماماً ، وأصبح حوض النهر الآن مكان لتجمع النفايات التي يرميها البائعون الذين يفترشون الطرق حول القلعة وفي سوق الطيور.......................

أستمرت القلعة بسكانها وبيوتها دهراً طويلاً، وبقيت كأقدم قلعة مبنية مسكونة وعامرة بالناس والحركة حتى نهاية الثمانينيات حين قامت محافظة كركوك وبأمر رئاسي بإخراج ساكنيها لأسباب ديموغرافية ولتغيير ديموغرافية التوزيع السكاني في كركوك، ثم أستغل صدام الفوضى التي أعقبت حرب 1991، فأحتل القلعة بقوات الحرس الجمهوري، ووضع المدافع الثقيلة فوق القلعة بإتجاه المدينة وبإتجاه المحافظات الشمالية، فكان ذلك الإعلان الرسمي بالقضاء على قلعة كركوك التي فيها أثار عظيمة، وأسرار غير مكتشفة كثيرة.....................دانيال بيغمبر... هكذا يلفظها أهل القلعة، هناك حيث الجامع بمنارته المغولية المميزة وقبته المتفردة في التصميم، والمتهدمة حالياً بشكل كبير ، وفي الداخل مراقد لأنبياء بني إسرائيل الذين أتى بهم نبو خذ نصر أسرى عائداً من أورشليم. وأصبح  (دانيال بيغمبر – النبي دانيال) مكان نذور أهل كركوك الذين كانوا يصعدون درجات سلّم القلعة الكثيرة والعالية للوصول إلى  أزقة ضيقة حميمة للوصول إلى الجامع حيث مرقد النبي دانيال، فيشعلون شموع نذورهم، وكانوا يفعلون ذلك أيام السبت بعد صلاة الفجر. وإلى جانب دانيال، هناك يرقد النبي حُنين والنبي عُزير، والنبي يوشع، وجرى تأكيد نسب المراقد إلى أولئك الأنبياء عن طريق بعثات يهودية متعاقبة غير موثقة لأسباب عديدة، لكنها موثقة لدى سدنة الجامع..........................

وفي منتصف التسعينيات، وفي إلتفاتة نادرة، قامت مديرية آثاركركوك بالتنقيب تحت خرائب القلعة، فأكتشفت السور الجميل والذي يشبه شكله سوراً من العهد الآشوري، السور يجاور الآن (بيت طيفور) وهو بيت تراثي قاوم كل محاولات الهدم وأصر على البقاء مواجهاً حوض النهر الحزين الذي رحل إلى الذاكرة، مجاوراً تماماً البوابة الوحيدة التي بقيت من قلعة كركوك بعد أن تمت إزالة القطعة المرمرية بالكتابة العثمانية التي كانت تشير إليها، ولا نعرف مصير تلك القطعة التأريخية التي أزيلت عن طريق جهة ما .كما أكتشفت هيئة آثار كركوك طبقات تأريخية عديدة تحت قلعة كركوك، ويقال أنهم كذلك أكتشفوا بدايات فك شفرة طلاسم حكايات وأساطير عن قلعة كركوك، لكن أمراً رئاسياً في حينها، أوقف التنقيب، وأمر بعدم كشف تلك الأسرار لأي جهة إعلامية.  وشخصياً، سمعتُ من إمام جامع إلياس والذي هو في قاعدة القلعة من الجهة الخفلية، أن سرداب ذلك الجامع فيه باب مقفل، يؤدي إلى قاعدة القلعة، رغم بعد المسافة الحالية بين ذلك الجامع وما بقيت من القلعة، ولا أدرى حقيقة هذه الحكاية..........................

من جميل ما كان في القلعة، التداخل الحميم بين الثقافات والأقوام واللغات والديانات، الجامع يزوره اليهود حيث النبي دانيال وعُزير  وما يحملانها من مكانة عظيمة في الديانة اليهودية ( إضافة لحُنين ويوشع) ، والجامع مجاور لكاتدرائية أم الأحزان الكلدانية الشرقية، هناك في مدخل الكنيسة قاعدة لمنارة غير مكتملة، تقول الحكاية أن حاكماً لكركوك في إحدى العهود الإسلامية أراد بناء منارة عند مدخل الكنيسة، فأشتكى راعي الكنيسة وذهب بشكواه إلى ولي  أمرالمسلمين أو أميرهم أو سلطانهم في ذلك الوقت،  وأخبره ما فعل أمير المسلمين من قبل  من إحترام الكنيسة حين دخل القدس (أورشليم)، فسمع أمير المسلمين أو السلطان شكوى راهب كنيسة القلعة وأمر بوقف بناء المنارة ، فهي الآن فقط قاعدة دون إكتمال.وهناك، مرقد الأميرة العثمانية الشابة والتي توفيت في طريقها إلى  الحج، فأصبحت مزاراً بشاعد مميز التصميم  ، وبالقرب من ذاك المقام، مقبرة الجنود العثمانيين ملاصقة لجامع النبي دانيال، ومع كل شاهد قبر، بيت شعر باللغة التركية القديمة، معظمها عن الغربة.............................

لم يقدر أهل كركوك على جعل قضية هدم قلعتهم وإزالة شواهدها قضية رأي عام، أو أيصال ذلك إلى الإعلام العالمي، كما لم يقدروا على أن يكتبوا أو يقولوا أي شيء عن تجفيف نهر (خاصة صو) الذي كان يمر من كركوك، فيقسمها إلى جهتين، جهة القورية ، وجهة القلعة.  بينما نجح أبناء الجنوب من العراق في تدويل قضية تجفيف الأهوار وبنجاح ، رغم أن النظام كان واحداً في الشمال والجنوب، غير أن خطوط منع الطيران والذي وضعته قرارات مجلس الأمن بعد سنة 1991، جعلت للجنوب بعض خصوصية في الإعلام العالمي، تماماً كما جعلت خصوصية للمنطقة الشمالية من العراق ( أقليم كردستان)، وكانت كركوك تحت  خارج تلك الخطوط، فسكنها الرعب والخوف، وبقيت القلعة وأحجارها المرمية، حسرة في صدور أهل كركوك، ودمعة لم تنزل من العين، خشية أن يراها مراقب أمن، فتكون نهاية صاحب الدمعة أشد قسوة من نهاية قلعة كركوك.