يقول الشيخ المحقق والمؤرخ باقر شريف القرشي"طاب ثراه":((أختار بعض الأئمة الطاهرين منهج المقاومة السلبية، لعلمهم بأن المقاومة الايجابية لا تجدي في التغلب على الاحداث نظراً للظروف السياسية القائمة التي تؤدي الى حتمية فشل الثورة، وعدم انتفاع القضية الاسلامية بها ومن ثم اعلنوا المقاومة السلبية، وكان من مظاهرها حرمة الاتصال بالجهاز الحاكم، وحرمة الترافع الى مجالس القضاء حسب ما دوله فقهاء الامامية في كتاب القضاء، وهي طريقة مجدية ذات أثر بالغ في تحقيق الأهداف السليمة التي تنشدها أئمة أهل البيت عليهم السلام... وعلى اي حال فان الحكومات القائمة آنذاك قد وجهت جميع أجهزتها للعمل ضد اهل البيت وقد استخدمت معهم الوسائل التالية: أولاً:مقابلتهم بمزيد من العنف والاضطهاد. ثانياً:فرض الحصار الاقتصادي عليهم أضعافاً لشوكتهم. ثالثاً:حجبهم عن العالم الاسلامي، وفرض الرقابة الشديدة والمطاردة المفزعة على جميع من يتصل بهم. رابعاً:أسرفت الحكومات، الى حد بعيد في القسوة على الشيعة فقد صبت عليهم ألواناً قاسية من العذاب الأليم، وقد تحدث الامام الباقر عليه السلام، عن المحن الشاقة التي واجهتها الشيعة ايام الحكم الأموي قال"ع": (وقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والارجل على الظنة والتهمة، وكان كل من يذكر بحبنا او الانقطاع الينا سجن او نهب ماله وهدمت داره). وقد صعدت الحكومات الاموية والعباسية جميع اجهزتها الدعائية ضد الشيعة حتى اصبح حب أهل البيت"عليهم السلام"عاراً ومنقصة، ويشار الى الشيعي بالخيبة والخسران، كما حكم بعضهم ان حب أهل البيت مروق من الدين، وخروج عن الاسلام…)).
يقول الشيخ عباس القمي"طاب ثراه":((جاء في الروايات المعتبرة، ان أبا العباس السفّاح أوّل خلفاء بني العباس، استدعى الإمام الصادق"عليه السلام"من المدينة الى العراق، وبعد ما شاهد من معجزاته وعلومه ومكارم اخلاقه لم يقدر على إنزال الأذى به، فأذن له بالعودة الى المدينة. ولما خلفه أخوه المنصور الدوانيقي، وأطّلع على كثرة شيعته"عليه السلام"وأنصاره، أستدعاه ثانية الى العراق، وعزم مرّات عديدة، خمساً أو أكثر على قتله، وفي كل مرة كان يرى منه معجزة خارقة فيعود عزمه. فقد روى ابن بابويه وابن شهر اشوب وآخرون أن أبا جعفر الدوانيقي، أرسل يوماً الى جعفر بن محمد"عليهما السلام" ليقتله، وطرح له سيفاً ونطعاً، وقال للربيع حاجبه: إذا أنا كلمته، ثم ضربت بإحدى يدّي على الأخرى فأضرب عنقه. قال الربيع: فلمّا دخل جعفر بن محمد"عليهما السلام"الى المنصور ونظر إليه من بعيد تململ وقال: مرحباً وأهلاً بك يا أبا عبدالله، ما أرسلنا إليك إلاّ رجاء أن نقضي دينك، ونقضي ذمامك. ثم سأله مسألة لطيفة عن أهل البيت، وقال: يا ربيع، لا تمضيّن ثلاثة حتى يرجع جعفر الى اهله. فلما خرج قال له الربيع: يا أبا عبدالله، رأيت السيف؟ إنما كان وضع لك، والنطع، فأي شيء رأيتك تحرّك به شفتيك؟ قال عليه السلام: إنّه دعاء قرأته، ثم علّمه إيّاه)).
يقول الشيخ باقر القرشي"طاب ثراه":((كان الكثيرون من الحكام،يحقدون على أئمة الهدى نظراً لإجماع المسلمين على تكريمهم وتعظيمهم، والاشادة بفضلهم، فقد كان المنصور، يعلم ان الامام الصادق كان بمعزل عن الحركات السياسية في عصره، ولم يكن يبغي الحكم والسلطان، وانه نهى العلويين عن اعلان الثورة عليه، وكان قبل ذلك قد بشره بمصير الخلافة إليه، ومع ذلك فلم يتركه وشأنه، وادعاً آمناً ينشر علوم جده بين المسلمين، فقد جلبه غير مرة الى عاصمته محاولاً اغتياله، ولم يكن هناك أي دافع سوى الحقد عليه لعظم شخصيته ومكانته عند المسلمين…)).
كانت وفاة الإمام الصادق عليه السلام، في شوّال من سنة ثمان وأربعين ومئة، لأكله عنباً مسموماً، أطعمه إيّاه المنصور، وله خمس وستون سنة، وقال صاحب"جنات الخلود":كانت وفاته عليه السلام في الخامس والعشرون منه.
يروي الشيخ الكليني، والشيخ الطوسي، وابن شهر اشوب، عن أبي أيوب الخوزيّ انه قال: بعث إليّ أبو جعفر المنصور في جوف الليل، فدخلت عليه وهو جالس على كرسيّ وبين يديه شمعة وكتاب، فلمّا سلّمت عليه رمى الكتاب إليّ وهو يبكي، وقال: هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات، فإنا لله وإنا إليه راجعون( ثلاثا)وأين مثل جعفر؟ ثم قال لي: اكتب، فكتبت صدر الكتاب، ثم قال:اكتب ان كان أوصى الى رجل بعينه فقدّمه واضرب عنقه. قال: فرجع الجواب إليه:إنه اوصى الى خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان، وعبدالله وموسى ابني جعفر، وحميدة ! فقال المنصور: ليس الى قتل هؤلاء سبيل.
نحن أيضاً نقول:إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وأين مثل الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام؟ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. |