الموصل وسياسة الموت الرحيم

 

تتجه الانظار الى الموصل، هذه المدينة المبتلية بالخراب والموت والارهاب الاعمى الذي صنع من أزقتها واحيائها سجوناً كبيرة لاهاليها المسالمين الذين لايعرفون للعنف طريقاً، الموصليون فنانون ومبدعون وادباء وعلماء وتجار وحرفيون وطلاب معرفة منذ قرون، ظهر فيهم فطاحلة وفلاسفة ونجوم على مر الزمان، بيوتاتها عريقة، تمتد جذور عوائلها الى ازمان سحيقة، أناس ودودون يعيشون في عالم مختلف لهم عاداتهم وطبائعهم وطقوسهم في مجالات الحياة المختلفة، للمدينة القاب عديدة مثل أم الربيعين لاعتدال الطقس بها في الربيع والخريف، والحدباء لاحتداب دجلة لدى مروره بها أو لاحتداب منارة الجامع النوري، الموصل أتت من كلمة (أصل) من ظرف مكان الفعل وصل.

 وكلمة “موصل” تعني مكان فيها يصل كل شيء،  هذه البقعة من الأرض تهجع في احضان الربيع الدائم ولها مع هذا الفصل من فصول السنة حكايا وأقاصيص وعشق من نوع آخر، وكما نعلم فان الربيع بخضرته وابتسامة اجوائه يعني الحياة والحياة هي عكس الموت تماماً. الكثير من اللغط حدث منذ سقوطها بيد تنظيم داعش الارهابي، تدخلت الماكنة الطائفية في صميم وطنية اهالي الموصل، اتهموا بالارهاب والانتماء لداعش وتمادى البعض حتى تخوين هذه المدينة الاصيلة التي لم تقف يوما مع الغازي والمحتل، نسوا وتناسوا ان الاجهزة الامنية التي من المفترض انها كانت السور المنيع لها تهاوت وتلاشت في غمضة عين وفي لحظات عجيبة غريبة لم يعرف العالم سبب تركها لمواقعها وواجباتها وتسليمها المدينة لبضع مئات من الارهابيين حتى الان، خرج منها مايقارب من 250000  مائتان وخمسون الف عائلة  باتجاه اقليم كردستان ووسط وجنوب العراق حتى هذه اللحظة بحسب احصائيات موثقة، ناهيك عن الاعداد الاخرى التي لجأت الى اوربا وتركيا وعمان، والعدد في تزايد مستمر بسبب عمليات تحرير الموصل، وهروب العوائل من المناطق الساخنة في اطراف المدينة تحت ظروف سيئة جداً.وبالرغم من المساهمات الكبيرة للمجتمع الدولي عبر منظماتها الانسانية العالمية وعبر هيئات ولجان الامم المتحدة والاغاثة الدولية الا ان اوضاع نازحي نينوى في تدهور مستمر، هؤلاء الذين خرجوا من الموصل بسبب رفضهم للاحتلال وسياسة التطرف والموت البشع الذي جلبه هذا التنظيم الهمجي الى المدينة.

اما علاقة الحكومة الاتحادية بنينوى علاقة محبطة وغير واقعية، هذه الحكومة التي وقفت عاجزة تماماً عن هذا الظلم الكبير الذي وقع على اهاليها من النازحين والمحاصرين، فلم نرَ تحركاً جدياً لتحريرها منذ اكثر من سنتين، والمساعدات المالية والعينية التي قدمت لنازحيها مخجلة ومضحكة، ناهيك عن قصص الفساد التي نسمعها يومياً في الدوائر المعنية بتوزيع المساعدات والتخصيصات المالية للنازحين وايضاً سياسة عدم صرف مستحقات نينوى للسنوات 2014/2015/2016 بحجج واهية، اذا ماذا سيفعل المواطن الموصلي البسيط الذي ترك منزله وعمله واصبح نازحاً ومهجّراً في ارض الله الواسعة دون أن يجد من يمسك بيده ويعيد له ارضه وحقه المغتصب، في خضم هذا الأمر كله نجد أن اقليم كوردستان هو الوحيد الذي آوى النازحين ودافع عنهم واحتضنهم في مدنه وقراه ومخيماته، هذا الاقليم الذي يتعرض الى ابشع حملة مغرضة من القومجيين والمتعصبين والحكومات المتعاقبة في بغداد طوال السنين الماضية كانت تقف بالضد من حقوق وتطلعات شعب الاقليم. ان مايحدث لاهالي نينوى النازحين والمحاصرين اشبه بالموت الرحيم، والعوامل المؤدية الى هذا الموت هي كالتالي :

1- ظهور اصوات نشاز تخونهم بحجج واهية

2- بطء عمليات تحرير الموصل بعد سنتين من المعاناة وحدوث مآسي لا تعد ولا تحصى.

3- المساعدات الخجولة لنازحيها في المخيمات وعدم الاهتمام بهم انسانياً على النحو المطلوب.

4- عدم صرف مستحقات نينوى من الموازنة العامة للسنوات 2014/2015/2016 .

ان المنطق يؤكد وجوب تشكيل خارطة جديدة لنينوى بعد تحريرها تماما من تنظيم داعش الارهابي، وضرورة اعادة رسم شكل العلاقة بالحكومة الاتحادية وتوفير ضمانات من المجتمع الدولي لها بعدم تكرار مثل هذه المآسي وتعويض المتضررين معنوياً ومادياً وتهيئة اجواء مناسبة للحياة فيها، وهذا الامر يتطلب جهداً كبيرا من النشطاء والساسة المهتمين بنينوى والذين يمثلونها في المحافل السياسية المحلية والدولية، وتوحيد المواقف والمطالبات بعيداً عن الشعارات الفارغة التي لا تؤدي الا الى المزيد من البؤس والتخلف والمعاناة.