غادرت طائرات الاباتشي الأمريكية ارض الصومال لشعورها أن ثمرة الموز تحولت الى صواريخ سام 7 . فكان القرار بترك مقاديشو الى قدرها مع الفوضى وتعدد الجمهوريات والمليشيات داخل حطام ما تركه الرئيس السابق محمد سياد بري والمسمى جمهورية الصومال الشعبية . تقع الصومال في القرن الافريقي .غير بعيدة عن عدن وباب المندب ، وكانت بعدة مسميات ، صومال فرنسي وآخر انكليزي وثالث ابقى على التخاطب اللغوي السواحلي ليكون قريبا من بيئته مع زنجبار وارتيريا وجيبوتي . مقديشو هي اليوم حاوية من قمامة الفوضى ، وفيها سوق للقراصنة والرقيق والافيون وآخر موديلات الكاديلاك والموبيليا الايطالية والطائرات الشراعية ، وتستطيع في مقاديشو ايضا ان تشتري بندقية الكلاشنكوف من بسطية في الشارع مثلما تشتري كيلو الباذنجان والبامية من سوق الخضار. يبيعون السمك الآتي من المحيط ومعه يبيعون الفياجرا والتفاح اللبناني . ونهار من التجول الحذر في مقاديشو يريك فوضى الحياة في كل شيء ، لكن الحي الدوبلماسي فيها يعيش حياة اوربية مترفه وتستعد الجامعة لتخريج دفعات من خريجي كلياتها والغريب ان ثمة طلاب عراقيين يتجاوز عددهم العشرات يدرسون في تلك الجامغة واغلبهم بأختصاصات هندسة المعلومات والقسم الطبي. هذه المدينة السريالية التي كانت محاطة بمزارع الموز والآن اختفى كل ذلك الصفار للثمرة السحرية فشحت المزارع واختفى معضمها حيث حولتها الجماعات المسلحة الى معسكرات تدريب وحيث تنشط جماعات دينية متطرفة تستطيع ان تهاجم القصر الجمهوري كل ليلة أن قررت ذلك. مقديشو التي اراد فيها الشاعر الفرنسي ارثر رامبو أن يبيع فيها بعض من بضاعته من السلاح والعتاد قادما اليها من عدن لكن البحارة نصحوه أن يذهب الى مصوع ، لان اهل مقديشو ما زالت حروبهم تقام بالسكاكين والمناجل فقط ، هي اليوم مدينة مفزوعة يتوفر فيها كل انواع السلاح الحديث . ولكنها بالرغم من هذا فيها برلمان ورئيس حكومة ودوائر قليلة اختامها تحمل بعضها طمغة ميليشات ما واخرى طمغة حكومية زرقتها معتمة ومكتوب عليها باللغة السواحرية جمهورية الصومال الديمقراطية. وبالرغم من ان الديمقراطية تعيش بذعر في هذه المدينة المخيفة إلا أنها تعيش ، ويسورها اربع احياء سكانية من الصفيح ، وكل بيت لاينام إلا عندما يسهر مع فليم امريكي تبثه قناة مشفرة أو سهرة غنائية لشاكيرا ، لكن الاجهزة المباعة هنا تفتح كل تشفير مجانا وخطوط الانترنيت متوفرة بتقنية عالية وسرعة فائقة. أثرياء مقديشو اغلبهم قرصانة بحر وقادة مجموعات مسلحة وتجار الايفون والسلاح والسيارات اليابانية . وهم من يتحكمون في حياة المدينة من خلال جيوش صغيرة خاصة بهم. ما يميز مقديشو أنها مدينة مخدرة تعيش على هامش من الصمت والقناعة ان الرصاصة يمكنها أن تأتي الى الرأس في اي لحظة ومن اي اتجاه وبالرغم من هذا تصر حكومتها الضعيفة على ابقائها بعيدة عن نشرات الاخبار خصوصا بعد ان صمدت امام جبروت واستماته ميليشيا الشباب الصومالي الاسلامي ، وبعد ان فكرت بشكل غريب ومفاجي أن تستعين بتركيا ارودعان الذي زارها قبل فترة ليقول للصومالين نحن اصدقائكم ولنا في بلدكم استثمارات كثيرة. لايعرف اي واحد في العالم ماذا تستثمر تركيا في الصومال ، ولكنها حتما تعرف مكامن الكنز الخفي في الارض الصومالية واهمه السماح للسفن التجارية التركية بعبور باب المندب والذهاب الى الهند وافريقيا دون ان يتعرضها اي قرصان من قراصنة مقديشو. احد الصحفيين الامريكان اراد أن يقارن بغداد بمقديشو ، فرد عليه رئيس تحرير الصحيفة التي يشتغل فيها بأن هذه المقارنة ظالمة . وحين سأل عن السبب ؟ أجابه رئيس التحرير ان بغداد تنفجر فيها السيارات المفخخة وتقتل الناس بشكل يومي أو اسبوعي .فيما لم نسمع بأنفجار سيارة مفخخة في مقديشو منذ أعوام . رد الصحفي على رئيسه بقوله : وبالرغم من هذا يا سيدي بغداد تقيم معرضا للفنون التشكيلة كل يوم . وربما كل شهر ينتج احد مخرجيها فيلما سينمائيا قصيرا . رد رئيس التحرير بخبث :وبالرغم من هذا فأن حكومتها عاجزة عن حماية اهلها من السيارات المفخخة. رد الصحفي بشجاعة : يا سيدي العاجز عن ذلك حكومة الولايات المتحدة...!
|