ثقافة السلطة القانونية الخاضعة للدستور |
كما هو معلوم من تعريف الدستور بانه الركيزة الاساسية لبناء المجتمع وتحضره، المجتمع الذي يقوم على دولة القانون حقيقة ومضموناً، وليس شكلاً ومزاجاً. ان المجتمع الذي يخضع فيه الحاكم والمحكوم لحكم القانون العادل النزيه لا لاحكام مزيفة تأخذ من القانون نصوصه وتزيفها لاغراض الحاكمين والمتسلطين، ولاتأتي سيادة حكم القانون الا بالاحتكام الى الشريعة الدستورية النزيهة العادلة التي ترضي الله سبحانه والمجتمع والضمير والتي تكون الضمان الاكيد لخضوع سلطات الدولة كافة لسيادة القانون، ويتوج هذا الخضوع بقضاء مستقل ونزيه وواع وحيادي يسهر على صون احكام القانون وعدالتها وفي مقدمتها القانون الاكبر النافذ (القانون الدستوري) الا انه مع شديد الاسف لم تقترن المواد القانونية للدستور العراقي عام 2005 بالثقافة التي تأهل القائمين على تنفيذها وفق القوانين والاعراف المرعية، بل اقترنت بالنزعة البشرية العدوانية التسلطية التي تغتنم الفرصة بلا مراعاة لحدود الله تعالى ولاحتى استيعاب المفاهيم الانسانية التي من اجلها وضع الدستور الذي هو الحامي الحقيقي بعد الله سبحانه لحقوق الشعب. وطبيعي ان النزعة البشرية تلك تحمل في داخلها اتجاهين متضادين (الاول) يسير بالاتجاه الايجابي الخير، و(الثاني) بالاتجاه السلبي الشر، والانسان العراقي وليد واقعة واسير طبعه الذي غالباً ماتحكمه المزاجية والتقلب الخالي من المبدئية واتقاء الله في الناس والامانة التي يكلف بها او يحميها. من هذا المنطلق ولد التصور الذي نراه بالتكليف الحكومي واعتباره عملاً طبيعياً حتى وان اقترن بالعقاب اللاخلاقي او العقاب الظالم للناس، فالمسؤول يعطي لنفسه الفتوى بسلامة موقفه لانه يرى بان مسؤوليته هي تكليف يقوم به لمصلحة تكتل حزبي او جهد عشائري او اجتماعي، وليس هو تكليف الهيً ولا حتى انساني مقرون بعهد الله وبرعايته وبمراقبته لذلك المسؤول تكون له وجوهاً عدة بالتعامل الحكومي او الرسمي او الاجتماعي، فتراه حين يكون مع الرعية او الطبقة المحكومة يتصرف بما يرضي الله والمجتمع، ولكن عندما ينتقل من موقعه الادنى الى موقع اعلى (اي الى المواقع الحكومية) فان المقاييس تختل لديه وتختلف ويبدأ بتكييف نفسه وحاله وفق مقايس المنصب الذي اسند اليه او الموقع الذي احتله، متصوراً انه بهذا الانقلاب النفسي سيثبت نفسه ويحقق غايته وهدفه ويحترم من قبل مرؤسيه واقرانه، وقد يذهب الى ابعد من ذلك بجهل تام حيث يتصور انه بظلم الاخرين يحقق العدالة لذلك فأن الحكومات التي تأتي من فراغ او من خلال عمل انقلابي او سياسي تراها حكومات مهزوزة، تريد تحقيق ذاتها من خلال اقصاء الاخرين والاستحواذ على السلطة بدون منافسه لا بل تعتبر الاراء والافكار التي تطالب باحقاق الحقوق المنتهكة او الاصلاح الاجتماعي انها بمثابة افكار هدامة ضد القانون والمجتمع والوطن لابد من اجتثاثها كلها بوسائل عدوانية انتقامية، وهذا ماحصل ويحصل في العراق منذ الاحتلال الانكلو اميركي عام 2003. ان جيلاً من هذا النفر الحاكم يجب ان ينتهي ليتثقف الجيل الثاني او الثالث بثقافة السلطة القانونية الحقيقية الخاضعة للدستور والمتصرفة ضمن حدود تكليف الشعب لها من اجل ان تكون ممارساتها التنفيذية منظبطة يطغي عليها طابع عادل نسبياً في تطبيق القوانين الاجتماعية.
|