كتاتيب الديمقراطية وحيلة الرزق |
كثرت هذه الأيام وخاصة بعد النجاح المنقطع النظير الذي حققه فلم الربيع العربي، باستبداله أنظمة دكتاتورية بمنظمات إرهابية أو جهادية أو دينية ومذهبية، إلى جانب مئات المنظمات التي غصت بها قاعات الفنادق وشوارع ومنصات الخطابة، وامتلأت من ضحاياها رفوف أقسام الطب العدلي في المستشفيات، حيث يرقد هناك مئات أو الآلاف من ضحايا تلك المنظمات بكل أشكالها الفسلجية أو الفكرية، خاصة وأنها تنتشر كالنار في الهشيم أو الفايروس في جسد منهك وضعيف، بعد أن أزالت الدكتورة أمريكا كل إشكال المناعة فيه لاستقبال الكائن الجديد! أقول قولي هذا وأنا أراقب مجاميع من الأحزاب التي تحكم باسم الرب والدين، ومنظمات بمختلف التسميات التي تلف وتدور حول حقوق الإنسان والتعايش بين المختلفين، و( كتاتيب ) تعليم الديمقراطية وممارساتها، لشعوب أدمنت حكم الواحد الأحد، ربا للأسرة كان أو إماما للجامع أو مختارا للقرية أو شيخا للعشيرة، وصولا للقائد الضرورة الذي يتعرض لذاته من فاقدي العقل والإيمان، يشوى على نار هادئة حتى يعرف الحق من الباطل؟ هذه المجاميع أو المنظمات أو المراكز ( الإستراتيجية ) التي يقود معظمها أولئك الذين ينطبق عليهم الدارج العراقي البليغ ( لحاسين الغيم ) وهو دارج يطلق على ( الكلاوجية ) أو ( الفهلوية ) بالدارج المصري، من العاطلين عن العمل، الذين جربوا كل الأعمال وفشلوا فبدأوا ( بلحس الغيوم ) لتلقيط رزقهم، من خلال تلك المنظمات والمؤسسات والمراكز التي أنتجتها انتصارات الربيع العربي وباكورتها في بغداد، حيث أنها وبعد إن تجاوزت شهادات سوق مريدي أو بعض الجامعات المنتجة في دكاكين البقالة الأكاديمية وشهاداتها، بدأت بالاندساس إلى عالم سياسيي المصادفة أو برلمانيي النصبة أو مسؤولي الأحزاب والميليشيات الذين تحولوا بقدرة قادر إلى أعلام اجتماعية وسياسية بعد أن فقدوا بوصلة الحكمة والحلال وتمثيل الأهالي بشكل حقيقي. لقد غصت كوردستان والعراق وبقية دول الشرق الأوسط بآلاف المنظمات والمراكز الإستراتيجية التي تشبه إلى حد كبير دكاكين البقالة، وباستثناء القلة القليلة منها التي لا تخضع لهذا التوصيف فان الغالبية منهم يعزفون على أوتار لا يهتم بها إلا تجار وبقالي الربح السريع من أصحاب دكاكين المنظمات واللف والدوران لإكمال عملية النصب والاحتيال برؤوس الغالبية المخدرة أو المسطحة أو الأمية، حيث تجاوزت أعداد هذه المنظمات والجمعيات الخمسة عشر ألف منظمة مدنية ومركز دراسات ومؤسسات بمختلف التسميات والعناوين لا يعلم بها إلا الله والراسخون في علم العمولات والذي منه! الزبدة كما يقولون ليس الاعتراض على العدد رغم انه يقع في باب المشبوهات، لكننا نستغرب هذا الكم الهائل من سفراء السلام وأصحاب الشهادات التي انتشرت هذه الأيام وتحولت إلى جسور للفاشلين، يعبرون عليها أو من خلالها إلى عالم المناصب، في دول لا تمتلك لحد اللحظة احترام سكانها، فما بالك من كونها مصنفة أفشل دول العالم، وأنت سفيرها للسلام، أو حامل شهادة من تلك المنظمات ومراكز الفهلوة والكلاوات! إنها أمراض وأوبئة لا تختلف عن تلك التي كانت تفتك بالناس أيام الطاعون والتيفوئيد، والفرق بينهما إن الأولى تسببها جراثيم وفايروسات والثانية أي ما نتحدث عنها تقف وراءها عصابات للمافيا ومجاميع من السراق والنصابين الذين يعتمدون الديمقراطية وحيلة الرزق في جمع سحتهم الحرام! حقا إن السرطان ليس المرض الوحيد الذي لا علاج له إلا الموت!
|