الفلاحون في مواجهة الحكومة

بعد انخفاض اسعار النفط واكتشاف الخطأ بالاعتماد على قطاع وحيد في الاقتصاد الوطني اتجهت الخطط التنموية الى القطاعات الاخرى لتعظيم الموارد وزيادة اسهاماتها في تكوين الدخل الوطني  ومن بين هذه القطاعات القطاع الزراعي الذي يشكل ركنا اساسياً في الاقتصاد الوطني بعد النفط، الى جانب ان طبقة الفلاحين والمزارعين الذي يعملون فيه يشكلون ربع سكان العراق.. وبالتالي فان أي تطور ايجابي او سلبي لهذا القطاع يؤثر في المجتمع ككل. وفعلا نما هذا القطاع الزراعي وحقق تطوراً ملموساً في بعض المنتجات ولاسيما محاصيل الحبوب من القمح والشعير، ويكاد ان يصل الى الاكتفاء الذاتي وتحقيق الامن الغذائي في رغيف الخبز..
القطاع الزراعي قد يقع في انتكاسة كبيرة ما لم تتدراك الحكومة ما يعانيه الفلاحون في مختلف انحاء البلاد. فقد تظاهر الاف الفلاحين والمزارعين في البصرة والنجف وواسط وكربلاء وكركوك وغيرها من المدن يطالبون بتسديد مستحقاتهم المالية عن الحبوب التي سلموها الى سايلوات وزارة التجارة في عامي 2014 و2015 والعام الحالي.
 هؤلاء الذين لهم دين بذمة الحكومة كان عليها ان تسلمه فور تسلمها المحاصيل ولكنها تأخرت في سدادها وتسببت باضرار كبيرة للعام الثالث على التوالي، فقسم من المزراعين عجز عن بذار حقوله واتمام  الدورة الزراعية لانه لم يكن باستطاعتهم توفير مستلزمات الموسم الزراعي من بذار واسمدة وحراثه وما الى ذلك ناهيك عن تأمين معيشة اسرته ومتطلباته التي كلها تعتمد على ثمن الانتاج الذي يحققه.
للاسف فان الحكومة لم تلتفت الى الفلاحين في وفرة مواردها المالية ولا في شحها وحلت ازماتها على حساب قوت يومهم ومفاقمة معاناتهم لم تكن حاجات هذه الطبقة وحقوقها تحت انظار المسؤولين في الجهات المعنية. ان وزارة التجارة تستورد كميات كبيرة من الحنطة من الخارج وتدفع اثمانها نقداً وبالعملات الصعبة، فيما تتسلم الانتاج المحلي ولا تدفع ثمنه وتعطل الدورة الاقتصادية في البلد، وتجعل ملايين العراقيين يعانون من شظف العيش ..
انها معادلة غريبة وغير عادلة ولا علمية ولا اقتصادية، وانها لا تنم عن حرص على تطوير الاقتصاد الوطني. الحكومة تخصص القروض وبعض المواد الاساسية اللازمة للزراعة وتطلق المبادرات وتحث الفلاحين على زيادة الانتاج وتوعدهم بوعود تسهل حياتهم، ولكن من الجانب الاساسي في نهاية العملية الانتاجية تخل بكل هذه الوعود وتضرب الموسم الذي يليه حين تنكص عن سداد مستحقاتهم المشكلة ليست وليدة هذا العام او الذي سبقه انها منذ سنوات وهي تتعذر بالعجز المفتعل عن الدفع او بمشاكل التسويق واثارة كوابح زيادة الانتاج وعرقلته.. ما يدلل على انه نهج مقصود لابقاء هذا القطاع على تخلفه وعدم تطويره وتحسين ظروف الانتاج فيه كي يسهم في زيادة نسبته في تكوين الدخل الوطني وبالتالي مع بقية الانشطة الاقتصادية فتتمكن من تخفيف الاعتماد على النفط كمورد وحيد واساسي في البلاد.
ان هذا الحراك الفلاحي وسيلة ضغط يمكن لها ان تتطور الى مشكلات اكثر تعقيدا ما لم يف رئيس الوزراء بوعده الذي قطعه بان الحكومة ستسود ما بذمتها في الايام القريبة وهو بذلك لا يؤدي حقاً للفلاحين فقط، وانما يساعد في نجاح السياسية الزراعية. واخيراً نقول يبدو ان الحكومة اعتادت على ان تؤدي وتفي بالتزماتها تحت ضغط التظاهر والاحتجاجات ولم تعد للسياقات الطبيعية في تحقيق الالتزامات من مكان!