البَصْرَةُ مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراء.. بقلم/ د. عبد القادر الحجاج


يا مملكةَ النّفطِ وأشعاري وآهاتي
يا مَوْلاتي وَعرشَ نَهاراتي
بَيْني وَبَيْنَكِ غابَةُ أَعْوامٍ وَقناطيرُ الأَحْزانْ
وَمسافاتٌ تُسْرِجُها أَساطيرٌ وَفَضاءاتٌ وَأَنينٌ وَرِهانْ
وَعْينان تَزُفّاني إِلى كَهْفِ الغُرْبَةِ
وَالدَّفَّةُ بَيْنَ المِطْرَقَةِ المَجْنونَةِ وَحَماقاتِ السِّنْدانْ
وَرحيلي بَيْنَ عُيونِ الحُبِّ وَنَوْباتِ الفَوْتْ
وَبَيْتُ القَلْبِ اليَحْتَرِقُ لِنَهْرِ الشَّفَتينِ وَماءِ التّوتْ
يتُسائِلُني بِلَهفةِ مَجنونٍ حَيرى وَبَحَّةِ صَوْتْ
هَلْ طَقْسُ الحُبِّ عَصِيٌّ لا يأتيهِ المَوْتْ؟!

يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
يا مُتْخَمَةً بالنَّفْطِ وبالفُقْرِ الأَسوَدْ
وجَحافِل من جَوْقَةِ ذُؤبانٍ فَوقَ مَنايا صَوتِك تَتَمَدَّدْ
وَهي تَبيع السؤدَدَ وَعُيوناً بصريّة بِمزادٍ أَجْرَدْ
وَمواريث الأجداد لَكِ من جَدِّ لِجَدْ
والسيّابُ التِّمْثالُ هوَ الشاهدُ والمَشْهَدْ
على مَملكة النفطِ وأَحْزانِ مُزمِنَةٍ لا تَبْرَدْ
يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
يا صاحِبَة كُنوز البترول المَكْنونْ
التَّتصارعُ حوله حيتانُ العالَمِ والعلاّسونْ
وَنُفوسٌ مَمهورةُ بِالحِقْد الأعمى يُضاجِعها قَحطٌ مَجْنونْ
وَهِيَ تُصادِرُكَ من الهامَةِ حتّى قاعِ الوَجَعِ المَسْنونْ
وأنتِ وأهلُكِ في قاعِ الجُبّ حَيارى تَئنّونْ
من المَوْت النازل فيكُمْ بالتَّقْسيطْ
وفقرٍ مُدْقِعِ أعْمى ومدائن من وَرَقٍ وصفيحٍ
أدْمَنَتْ الموَت جِهاراً وَفنونَ التَّحْنيطْ
يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
وَسيِّدَةَ الشِّعْرِ وَمَرْبى فُحولِ الفِكْرِ
لأَنَّكِ أَنْتِ كَتَبْتُ الشِّعْرَ المَنقوعَ بِماءِ المِلْحْ
لأَنّكِ أَنْتِ رَكَبْتُ البَحْرَ وَنازَلْتُ الرِّيحْ
يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
لأَنَكِ أَنْتِ تَوَحَّدْتُ بِشِريانِكِ
وَحَمَلْتُكِ في جَوْفِ القَلْبْ
سنيناً لا تَعْرِفُ أَيَّ طَريقٍ آخَرَ لِلْحُبِّ العَذْبْ
حَتّى أَطْفأْتُ بِحَضْرَتِكِ شُموعَ الجَدْبْ
وَأَوْقَدْتُ قناديلَ دُموعِ الفَرَحِ اللاهِبْ
يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
لأَنَّكِ أَنْتِ تَقاطَرَتْ الأَضْواءُ
على شَفَةِ الفَجْرِ المُتَـصَحِّرْ
وَامْتَشَقَتْ حَنْجَرَةُ البَحْرِ مَواويلاً عَذْراءَ
وَصَوْتاً مَشْحونُ الهِمَّةِ مُخْضَرْ
وأسْراباً من مَوّالاتِ بَني قَوْمي وَأغاني البَحْرْ
يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
لأَنَّكِ أَنْتِ حَمَلْتُ مَرايا وَجَعي وَعُدْتْ
وَشَدَدْتُ على خاصِرَتي حيازيمَ حِدادِ الصَّوتْ
يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
لأَنَّكِ أَنْتِ هَوَتْ في قاعِ الأيّامِ
جَميعُ ذُبالاتِ البَحّارِ البَصْريْ
وَغادَرَتْ الظَّهْرَ المُتَقَوِّسَ أَنْفاسُ الآهاتِ
وَهاجَرَتِ اللحَظاتُ وحُمّى الأَوْجاعْ
وَصارَ الأَمْسُ اليَلْتاعُ مَدائِنَ فَرَحٍ في حَدَقِ الأَعْيُنِ
وَطُقوساً لِلْحبِّ المَحْمولِ سِنيناً وَبِحاراً وَشِراعْ
وَرياحاً ناعِمَةً وَمَواويلاً وَسَفينْ
يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
لأَنَّكِ أَنْتِ سأمْطُرُ مَوْتيَ
اليَتَسَمَّرُ فوْقَ صَواري صَوْتي
وَأُشْعِلُ زَمَني في نَفَقِ القَلْبِ الموحِشِ
وَأُمَشِّطُ سَغَبَ الأعْصابْ
وَأُكَحِّلُ أَحْداقي وَأَمْواجَ الأَهْدابْ
وَأَفْرِشُ بِالآسِ وَبِالعُنّابِ دُروبَ الأَحبابْ
وَأُرَمِّمُ في مَوْجِ البَحْرِ خَرابَ الأَلْوانْ
وَأُطْلِّقُ مِنْ وَجَعي مَراسي الأَحْزانْ
يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
لأَنَّكِ أَنْتِ
سأَطْوي الأَشْرِعَةَ وَأَرْسو عِنْدَ سَواحِلِ عَيْنَيْكِ
وَأَخْرُجُ مِنْ كَهْفي الأَعْزَلْ
لأَضُمَّ إِلى صَدْري المُتَلَهِّفِ قاماتِ النَّخلْ
وَأَعُينَ صَحْبي وَالأَهْلْ
لَحْظَتُها سَيِّدَتي يَموتُ على شَفتَيَّ القَولْ
وَتَخْبو في حَدَقاتِ عُيوني
شَهْقاتُ الغُرْبَةِ وَمَنايا المَنْفى
يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
لأَنَّكِ أَنْتِ
سَلامٌ لَكِ مِنْ قَـلْبِ غَريبٍ
في جَوْهَرِ وَحْيِكِ يَتَنَقَّلْ
وَلَهيبِ العائِدِ مِنْ مَنْفى الأَنْواعِ
بِعُمْرٍ مَصْدوعٍ وَعُيونِ مُقَتَّلْ
يا مَوْلاةَ زَماني وَضَراعاتِ العِشقِ الأَوّلْ
وَحَنينِ الماضي وَالحاضِرِ وَالمُسْتَقْبَلْ
يا كَنْزَ البَيت العِراقيِّ المورِقْ
وَنَهاراتِ الأَسْفارِ السَّبْعَةِ
وَحكاياتِ الحُبِّ الأَوّلْ
يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
لأَنَّكِ أَنْتْ
عُدْتُ لِحِضْنِكَ مَشْغوفاً بِمَرايا القَلْبِ وَزَمانِ طُفولَتِنا والبَيْتْ
وَحكاياتِ بَني قَومي عَنِ الأَمْسِ الفائِتِ وأماني يا لَيْتْ
وأساطير الصَّحْبِ الحَيْرى ليلَ نَهارٍ على جُرفِ العَشّارْ
وَقُرْصانِ الغَفْلَةِ والماءِ المالِحِ والرّيحِ
وأَسْرابِ المَوْجِ الصّاخِبِ وَسِنيّ المَنْفى وشَكابينِ المَوْتْ
يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
سَلامٌ لَكِ مِنْ أَوْجاعِ مَزاميري السَّبْعَةْ
وَأَسْفاري وَالشَّهْقَةِ وَاللوْعَةْ
وَعَزيفِ الرِّيحِ وَرائِحَةِ الجَمْرِ
وَحُمّى المَوّالاتِ وَأَطْيافِ الدَّمْعَةْ
ومَوتِ أهاليكِ وجوع سافِر
ومن حولهم كنوزك والنفط وعيناكِ
وأنت تذوقين الفُقر الصّامتِ جُرعَة جرعةْ
يا مَمْلَكَةُ النّفْطِ وَعَرْشِ الشُّعَراءْ
سَلامٌ لَكِ مِنْ بَحْرِ العائِدِ وَنَزيفِ الموتِ اليَصْهَلْ
وَسَلامٌ لَكِ مِنْ لَيْلِ المَنْفى وَسِنيِّ الهِجْرَةْ
التَّحْمِلُها الكَبِدُ المَقْروحَةُ وَبَقايا أَوْراقٍ مُصْفَرَّةْ
المَشْدودَةُ في عُمْرِ البَحّارِ البّصْريِّ الكَهْلْ
مُنْذُ انْبَتَّ الخَيْطُ دُخاناً وَتَناثَرَتْ الحَبّاتْ
سَلامٌ لَكِ ياسَيَّدَتي البَصْرَةْ
وَسَـلامـاً...وَسَـلامــاً...وَسَـلامــــاً
وَسَلاماتُ المَنْفى ومزامير البَحّارِ البَصْريِّ قُبَلْ