الخرق الدستوري لمجلس النواب العراقي ..قانون - هيئة الاشراف القضائي الجديد - أنموذجاً

امتازالقضاء العراقي بنزاهته وبتاريخه المشرف بل بقدرته في رد جميع محاولات السلطة التنفيذية في التدخل بشؤونه وعرقلة اجراءات التقاضي الذي كفله الدستور العراقي بعدم التدخل في شؤون القضاء وقد اشار بهذا المعنى الباحث العراقي احمد عبيس الفتلاوي في بحثه القيم السلطتان القضائية والتشريعية - ﻳﻤﺘﺎﺯ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﻭﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻨﺰﺍﻫﺘﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻃﻴﻠﺔ ﺗﺄﺭﻳﺨﻪ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ لولا تدخلات ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﻜﺮﺭﺓ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻴﻄﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻭﺟﻌﻠﺖ ﻣﻨﻪ ﺟﻬﺎﺯﺍ ﺗﺎﺑﻌﺎ ﻟﻬﺎ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺒﻌﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻠﺖ ﺑﺄﻭﺿﺢ ﺻﻮﺭﻫﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻗﺪﻡ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻋﺎﻡ 1977 باصدار قانون وزارة العدل المرقم 101 لسنة 1977 وﺍﻟﺬﻱ ﻗﻀﻰ ﺑﺘﺸﻜﻴﻞ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻟﻴﺤﻞ ﻣﺤﻞ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ، ﺍﻷﻣﺮﺍﻟﺬﻱ ﻋﺪ ﻭﻗﺘﻬﺎ ﺇﻳﺬﺍﻧﺎ ﺑﺎﻧﺘﻬﺎﺀ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺗﺒﻌﻴﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ، ﻧﻈﺮﺍ ﻹﺳﻨﺎﺩ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻹﺷﺮﺍﻑ ﻭﺍﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺆﺅﻥ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ- وبعبارة اخرى خضوع جميع المحاكم لسطوة وهيمنة مجلس وزارة العدل المرتبط بدوره ايضا بوزيرالعدل الذي يعد جزءا من منظومة السلطة التنفيذية وبالتالي فقدان القضاء لاستقلاليته واستباحة قدسيته من قبل السلطة التنفيذية. فاليوم بعد سقوط النظام في 2003 وهيكلة النظام القضائي العراقي وفق الدستور العراقي الجديد والذي نص على استقلالية القضاء بشكل تام وعدم التدخل في شؤونه او المساس به من قبل اية جهة او سلطة مهما علت وسمت فلا يمكنها ان تسمو على استقلال القضاء والنيل من هيبة القضاة وحصانتهم وفق الدستور العراقي الصادر في سنة 2005 والذي اكد على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث .
قبل ايام بعد مناقشة مواد قانون هيئة الاشراف القضائي من قبل مجلس النواب العراقي واعضائه حدث خلل دستوري كبير ومساس مباشر بشؤون القضاء العراقي حيث ان الاصل في تطبيق مبدأ استقلال القضاء هو عدم تدخل السلطة التشريعية (مجلس النواب) بالشأن القضائي والقصد من عدم التدخل هو تدخله السلبي والذي يعد مخالفة صريحة للمبادئ الاساسية المقررة في الدستور ومنها مبدأ الاستقلال القضاء ومبدا الفصل بين السلطات غير ان المتصفح لقانون هيئة الاشراف القضائي الذي شرّع من قبل مجلس النواب العراقي موخرا وتحديدا المادة (3) الفقرة سابعا ، نجد فيها مساس تام باستقلال القضاء من خلال اعطاء الحق والسماح للنائب في مجلس النواب العراقي باحالة القاضي على التحقيق حيث ان تطبيقه سيؤدي الى خرق واضح لمبدأ استقلال القضاء وضرب مبدأ الفصل بين السلطات عرض الحائط والذي سعى اليه الدستورالعراقي الصادرفي سنة 2005 بتصميم وجهود جميع قضاة العراق وعلى رأسهم راعي استقلال القضاء في العراق معالي القاضي والفقيه القانوني الكبير الاستاذ مدحت المحمود المحترم رئيس السلطة القضائية في العراق منذ سقوط النظام البائد في 2003. لذا فان الامر بعد تلك المناقشة والتدخل من قبل بعض السادة النواب بحاجة الى وقفة جدية من جميع رجال القضاء وخبراء القانون واساتذة كليات القانون المطالبة بإلغاء المادة (3) الفقرة سابعا من قانون هينة الاشراف القضائي المشرع من قبل مجلس النواب العراقي وذلك من خلال الطعن فيها امام المحكمة الاتحادية العليا الموقرة والتي اصبحت اليوم ركيزة قوية وضمانة دستورية للحقوق والحريات لمبدأ الفصل بين السلطات وأصبحت لها دورها الواضح في تنظيم اداء المؤسسات الدستورية وبالتالي تيسيرالحياة السياسية وصيانة شرعية السلطة في ارساء دستورية الحكم المؤسسي في العراق الجديد. ولمواكبة المتغيرات والتوافق مع التشريعات الجديدة وضمان حسن الاداء في مكونات السلطة القضائية الاتحادية وللمتغيرات الحاصلة في الفترة التي تلت صدور قانون الاشراف العدلي رقم 124 لسنة 1979 وخلال الجلسة الثانية من الفصل التشريعي الاول من السنة الثالثة التي انعقدت بتاريخ13 / 7/ 2016 صوت مجلس النواب العراقي على مشروع قانون هيئة الاشراف القضائي المقدم من قبل اللجنة القانونية . تباينت ردود فعل العديد من السادة القضاة والخبراء والقانونيين حيال الخرق الذي حصل اثناء هيئة الاشراف القضائي والذي يعد في الواقع خرقا ومساسا لمبدأ الفصل بين السلطات وللمادة 47 من الدستورالعراقي النافذ. فعبرّ بعض من الخبراء ورجال القضاء العراقي عن امتعاضهم وسخطهم حول تلك الفقرة التي تجيزلعضو مجلس النواب بإحالة القاضي على التحقيق.فكان رد فعل الناطق والمتحدث الاعلامي للسلطة القضائية القاضي القدير عبد الستار البيرقدار قويا ومحل استغراب كبير والذي صرح لمراسل جريدة المدى برس ان -ورود فقرة في القانون تعطي الحق للمشرف القضائي وهو قاضٍ من الصنف الثاني بالتفتيش على اعضاء محكمة التمييز وهم قضاة من الدرجة الخاصة. وأن - المشرّف القضائي يحتاج إلى خدمة قد تصل إلى 20 سنة لكي يكون مؤهلاً لعضوية محكمة التمييز، وبالتالي لا يمتلك حالياً مؤهلات قضاتها للتفتيش على دعاواهم وعملهم.وان القانون جاء بصيغة لا تتفق مع قرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر في العام 2014 والذي يشدّد على ضرورة اخذ رأي السلطة القضائية في القوانين التي تنظم اعمالها، برغم أن قرارات تلك المحكمة باتة وملزمة لجميع السلطات. للطعن في القانون امام المحكمة الاتحادية العليا وجزم بأن مصيره سيكون النقض لأنه صدر بطريقة مخالفة للدستور.
وتحدّث ايضا الخبير القانوني الاستاذ طارق حرب في تعليق له إلى الصباح الجديد عن - امكانية الطعن في القانون امام المحكمة الاتحادية العليا،وجزم بأن مصيره سيكون النقض لأنه صدر بطريقة مخالفة للدستور، ورأيه كان مطابقا لرأي القاضي عبد الستار البيرقدار. .
وأضاف حرب - في حال لم تقم السلطة القضائية برفع دعوى امام المحكمة فأننا سنتولى هذه المهمة بوصفنا مهتمين بأن تطبق القوانين على وفق أحكام الدستور.وأوضح أن السلطة القضائية عندما صاغت قانون هيئة الإشراف راعت فيه جميع الاعتبارات والتحول الذي شهدته البلاد مؤخراً، لكن مجلس النواب ارتكب خطأ دستورياً كبيراً في التلاعب ببعض المواد تسمح للتدخل في عمل المحاكم.وشدّد حرب على أن الدستور العراقي افرد أحكاماً خاصة بالسلطة القضائية ومنحها حق تنظيم موازنتها وهو ما لم يعطه لمجلس النواب أو رئاسة الجمهورية وهذا دليل على وجود افضلية لها فيكف يتم التدخل في شأنها بهذه الطريقة.يشار إلى أن السلطة القضائية الاتحادية سبق أن اعلنت عن استكمالها مشاريع مدونتها، مؤكدة احالتها الى مجلس الوزراء لكي تأخذ طريقها للتشريع في البرلمان على وفق السياقات الدستورية.

والقاضي جاسم محمد عبود رئيس محكمة استئناف الرصافة وعضو مجلس القضاء الاعلى ادلى بتعليقه المهم وبملاحظاته القيمة حول مسألة جواز النائب احالة القاضي على التحقيق حيث تفضل سيادته - إن قانون هيئة الاشراف القضائي المصوّت عليه مؤخراً في مجلس النواب يتضمن فقرات تشكل ضرباً واضحاً لمبدأ الفصل بين السلطات الوارد في الدستور. وتابع أن القانون في حال تطبيقه سوف يؤدي إلى خلل واضح في عمل المحاكم بنحو عام، وفي ذلك تأثيرسلبي على تحقيق العدالة، خلافاً للهدف الذي تنشد له السلطة القضائية لاسيما بعد العام 2003. ان ماحدث قبل ايام تحت قبة البرلمان اثناء مناقشة قانون هيئة الاشراف القضائي لا يمكن المرور عليه مرور دون ان يكون لنا موقف امتعاض وانا مع رأي معالي القاضي البيرقدار ان القانون جاء بصيغة لا تتفق مع قرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر في العام 2014 والذي يشدّد على ضرورة اخذ رأي السلطة القضائية في القوانين التي تنظم اعمالها، برغم أن قرارات تلك المحكمة باتة وملزمة لجميع السلطات في عموم العراق. من حق القضاة الانزعاج والامتعاض من قانون الاشراف القضائي. وعدم السماح بتمريرتلك التعديلات البرلمانية التي اجازت لعضو النواب باحالة القاضي على التحقيق. وانا ايضا مع رأي الخبير القانوني طارق حرب حيث اكد بهذا الشأن باحكام استقلال القضاء اي ابتعاده عن تدخل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وكما ورد في المادة (47) من الدستورلا سيما وان الدستور العراقي وضع مبدأ استقلال القضاء في المنزلة الازكى والموضع الاعلى بدليل انه اعتبر في المادة (19) من الدستور استقلال القضاء حقا للمواطن العراقي.وقبل ان نختم ملاحظاتنا المتواضعة حول تلك المسألة المهمة نضم صوتنا الى جانب رجال القضاء والقانون حماة الدستورالعراقي ذلك الدستورالذي كُتب بدماء شهداء الحرية ومن اجل بقاء قضاء العراق شامخا مستقلا وعدم تداخل السلطات الثلاث مع بعضها البعض كما اكدت المادة 47 من الدستور العراقي على مبدأ الفصل بين السلطات، فالسكوت على تمرير تلك الفقرة تعني بعبارة صريحة فتح باب التدخل في شؤون القضاء والمساس بمبدأ استقلال القضاء في العراق.