فضائياتنا وجيشهم الحر لإسقاط الأخلاق

لا يختلف العقلاء على إن المنظومة الاخلاقية هي الجدار المنيع والسور الذي يحمي المجتمع من الانحدار والتفسخ والانتشار الوبائي للامراض المجتمعية المنحرفة سلوكياً و فكرياً، فمن يسعى بإرادة واضحة لنخر هذا الجدار وتفتيته هو يريد السوء بهذا المجتمع أكيداً، ويسعى بعلمٍ، ودراية، وأرادة، وقصد الى هدمه، وأضعاف الوطن الذي يحتوي الجماهير المستهدفة بهذا الاعلام الهدام، وهنا تتساقط كل الشعارات البراقة الصارخة بالوطنية وحرية الشعب وبمصلحة المواطن التي تتشدق بها هذه الفضائيات وينكشف الغطاء عن الأهداف الحقيقية المتخفية تحت هذه الواجهات البراقة التي لا تنطلي الا على من تناغمت شهواته مع المعروض الحيواني المبتذل .
لقد وصل المعروض الدرامي ــ من على شاشات محسوبة على الانتماء العراقي ــ في الأونة الاخيرة الى مرحلة لا يمكن السكوت عليها من الابتذال و الاسفاف و السقوط وتعدت فيه الحدود و الخطوط الحمراء، فاجتاز مرحلة الايحاء والتلميح والترميز والإشارات الجنسية الى التصريح اللفظي والصوري المبتذل بلا أدنى اعتبارات للحياء والخجل ناهيك عن الحرمة التي لا وجود لها في قاموس الاعلام الموجه و المخرب.
لقد بدأت هذه الحملة الشنيعة على قيمنا المجتمعية الاسلامية والشرقية بشكل واضح ومبرمج بعد الانتفاضة الشعبية في بداية التسعينات من القرن الماضي بأستيراد المسلسلات المكسيكية المدبلجة التي تعرض عبر حلقات طويلة الأمد، قصة عوائل قمة في الانحلال والتفسخ والشذوذ في علاقاتها السلوكية المنحرفة، وتبنتها وقتها القناة الحكومية وتلفزيون الشباب الذي كان يشرف عليه المقبور عدي صدام حسين وأستمرت بعدها الحملة لتصل الى مرحلة المسلسلات التركية التي تزامنت مع الانفتاح الكبير في وسائل الاتصال ودخول البث الفضائي و الموبايل والانترنيت على خط التواصل المجتمعي والثقافي، وقد تبنتها وما زالت الشبكات التلفزيونية المرتبطة بأفراد من العائلة المالكة السعودية كشبكة الـ mbc ومجموعة (روتانا) وغيرها وظهور اليوم الفضائيات المتخصصة بالدراما التلفزيونية أتاح لها عرض كل ما يقع في أيديها من مسلسلات منتجة بغض النظر عما تحتويه من أفكار وما تختزنه من أهداف و ما تعرضه من صور بل سعت في حمى كسب العدد الاكبر من المشاهدين لاعتبارات تجارية، الى ان تعرض المسلسلات التي تداعب أذهان و خيال و مشاعر الشباب المراهق الذي يبحث عن شهواته هنا و هناك، كما في الفضائيات المصرية والفضائيات الاماراتية، وأنتقلت في الآونة الأخيرة عدوى الفضائيات المتخصصة في الدراما الى الفضائيات المحسوبة على المشهد الإعلامي العراقي وفي وقت واحد تقريباً ليقتحم العائلة العراقية التي تحسن الظن بمثل هذه الواجهات لنرى مستوى ثالث من العروض (العربية) المستنسخة عن المسلسلات التركية الجريئة بلباس سوري ومصري لتظهر وتعرض العلاقات المحرمة والخيانة الزوجية كحل مطروح بديل عن عدم التفاهم بين الزوجين، في أحد المشاهد لمسلسل سوري يعرض من أحدى الفضائيات، عندما يكتشف الزوج المغدور زوجته متلبسة بالخيانة ويجلب أخوتها ليتعاملوا مع هذه الحادثة التي تمس شرف العائلتين معاً يرى المشاهد أن الأخوة يصبوا جام غضبهم على الزوج وكادوا ان يقتلوه لأنه لم يعطي الزوجة (الخائنة) القدر الكافي من الحب!! و يحملوه مسؤولية الخيانة كاملة وبعد أن يهرب الزوج المسكين من ضرب الأخوة له!!! يلتفت الأخ الكبير ليلوم الزوجة والحبيب المغرم بأنهم أستعجلوا في علاقتهم خاصة في بيت الزوج نفسه يرافقها تشنج بسيط يضفي نوع من الرجولة والغيرة الضائعة على المشهد!!
هذا نموذج بسيط لما تطرحه هذه الفضائيات من مسلسلات فيها تمييع للقيم الاخلاقية وتكسير للأواصر الأسرية فحتى المنتج الغربي من الدراما والذي يعكس واقع المشهد الاجتماعي في المجتمعات الغربية المتحللة والمتحررة ينظر الى الخيانة الزوجية بنظرة سوء وازدراء ولا يبررها بأي وجه من الوجوه ,و يعتبرها حالة شاذة في المجتمع،
إن التأثير السلبي المباشر وغير المباشر لهذا النوع وبهذه الصيغة من الدراما مما لا يمكن إنكاره لكل متابع، فقد عرضت قبل أيام إحدى الفضائيات العراقية تقريراً لمراسلها في محافظة الانبار بين فيها ان حالات الطلاق ازدادت بنسبة سبعة أضعاف في السنوات الأخيرة عما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي وعزى مراقبون الى إن أكثر الأسباب في حالات الطلاق تعود الى الخيانة الزوجية وفقدان الثقة بين الزوجين، وعزا المراسل الى إن أكثر حالات الطلاق حصلت بسبب أن الزوج لم يعد يرغب باستمرار الزواج بامرأة لا تشبه الممثلة التركية الفلانية ولا تتمتع بميزات الاثارة لدى الممثلة السورية ....، أما الزوجة فهي تطلب بشدة أن يتحول زوجها الى شبيه الممثل التركي (مهند) والا فهي لا تستطيع الاستمرار بالزواج من (خلف) الذي ليس باستطاعته تنفيذ رغبتها الجامحة،
حتى ان احد المطلقين قالها بصراحة انه طلق زوجته بسبب الستلايت و الموبايل!!!! بحسب قوله.
فإلى أين تريد هذه القنوات والفضائيات أن تذهب بالمجتمع وماذا نسمي هذه الحملة اللاوطنية لتهديم وتحطيم الاخلاق ومن غريب الصدف هنا ان هذه القنوات هي من المساندين و بقوة لأصحاب اللحى الكثة و(الدشاديش القصيرة) من السلفيين والوهابيين وجيشهم الحر في الصراع المحتدم في سوريا في قنواتهم الاخبارية أما في قنواتهم الدرامية فالصورة مختلفة جزئياً فهم من أنصار المنتج الدرامي المغاير لتوجه أصحاب اللحى مع إبقاء القصر ولكن هذه المرة بالتنورات لا بالدشاديش، فهنا يعمل جيش (حر) من نوع أخر و مفهوم أخر للحرية هدفه لا اسقاط النظام بل إسقاط الاخلاق. والنظام اذا سقط يأتي بدله نظام أخر بلون أخر وولاء لأخر، أما الاخلاق اذا سقطت فستسقط الامة سقوط بلا نهوض بعده .
و كما قال الشاعر: وإنما الأمم الأخلاق مابقيت ..... فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .