يوم عرضوا قصيدة مايكوفسكي الشهيرة ( غيمة في بنطلون ) أمام أنظار شيخ البلاشفة فلاديمير لينين، قال : هو في قصيدته لايتحدث عن البطاطا التي يحتاجها الشعب ، ولكنه حتما يتحدث عن شيء جميل آخر. وحين نقلوا رأي لينين الى مايكوفسكي قال :اخبروا الرفيق لينين أن العالم في الغد يحتاج الى بشر تمشي بالمقلوب. تذكرت هذا مرة وأنا اتجول قي سوق البالات ( الملابس المستعملة ) في باب الشرقي حيث تكون جمعة التظاهرات جمعة رزق وسعد لاصحاب البسطيات و( العرباين ) التي تبيع ( هدوم ) البالة ، حيث يعتقدون أن العشرات وربما المئات سوف تزاحمهم قوات الردع السريع ومكاغحة الشغب ومن الركض سوف تتشقق بناطيلهم من جهة ( السحاب ) فيكون لزاما عليهم شراء بناطيل جديدة من سوق البالات الغير بعيد عن نصب الحرية الاسطوري لجواد سليم . القصة في تجوالي هذا قبل ان تبدأ ساعة الصفر ليطلق ( جاسم الحلفي ) شعاره الاول وهتافه ثم يبدا المتظاهرون بعده ، حيث تمشيت بين القيصريات الصغيرة والضيقة لمحلات بيع الملابس ، ليفت انتباهي رجل يريد ان يشتري بنطلونا ويجرب مقاسه عليه ، وبدلاً ان يلبس البطلون من قدميه ، ادخل فتحة البنطلون من رأسه وحشره فيه وانزله حتى وصل صدره وتوقف . صاح الشاب البائع مفزوعا وضحاكا : عمي انته ( شدتسوي) قال : الرجل والبنطلون محشور في رأسه : ارى البنطلون ان كان قياسه يناسبني . قال البائع : ولكنك تضعه بالمقلوب .البنطلون عمي ليس سداره او (عرقجينه ) حتى تلبسها براسك ، البنطلون يلبسوه من القدمين. قال الرجل : لاتحسبني مجنونا يا ولدي .كل شيء في هذه البلاد اصبح بالمقلوب .وعلينا ان نرتدي كل شيء بالمقلوب. البائع الشاب صفن قليلا ثم قال : والله عمي انت محق .البسهُ كما تشاء ، مادمت ستدفع ثمنه. هذه القصة هو ما حققته نبؤة قصيدة مايكوفسكي ( غيمة في بنطلون ) . في عالم تغيرت فيه الرؤى والمشاهد فصار كل شيء يرى بالعكس عندما ترغمك مثلا بعض الفضائيات لتسمع اطروحة في الاخلاق والشرف والوطنية من لص وسارق وقاتل . أو انك ترغم لتجمل احلام قصائدك ومقالاتكَ وتنحني باحترام الى رئيس تحرير قبل ان يقابلكَ كان يمارس الغرام مع واحدة اتت تحمل مشكلتها مع طليقها للنشر أو انك ترى اغبياء وطارئين يديرون مؤسسات مهمة . او شرطي مفصول من الخدمة تعطى اليه تبليط شوارع المدينة وتجميلها. وهكذا هي الحياة تمشي على هذه الشاكلة ومن يقودون الحافلة اؤلئك الملوك والالهة المصنوعون من صدفة خلط الاوراق وتواريخ موروثة من طغاة ورجال أمن وحرب باردة وغزو الجار وبساطيل المارنيز . ذهب لينين وما يكوفسكي ، ونسى الناس الرؤى المستقبلية التي كانت مذهبا حسيا وابداعا في قصائد ما يكوفسكي الذي انتحر بمسدس قبل ان يرى تحقيق نبؤته حين بدا العالم يمشي مقلوبا مع ظهور كتاب كفاحي لهتلر . الجميع ذهبوا . والذي بقى هذا الجمع المستلب وتلك القلة المرفهة في كل شيء يضمن لهم ليالي حمراء في فنادق عمان وبيلاروسيا وعلى شواطئ ازمير وبيروت . وحتما الرجل الذي ارتدى البنطلون من رأسه وليس من قدميه هو من هذا الجمع المستلب الذي يرتشف الشمس غيمة ومطرا تحت نصب الحرية في الباب الشرقي وعلى بعد 50 مترا من سوق البالات.
|