طَرِيقُ الْتَّغْييرِ آلْمَرْجُو! [١]


                        
   ليسَ مِن بينِ كلّ زعماء الكُتل والأحزاب السياسيّة في الْعِراقِ الجديد مَن يشبه (جورج واشنطن) [١٧٣٢ - ١٧٩٩] الذي رفضَ التّجديد لهُ لولايةٍ ثالثةٍ [١٧٨٩ - ١٧٩٧] على الرّغم من انّ الدستور الأميركي [١٧٨٩] لم يمنع من ذلك، قائلاً؛ عليكُم ان تختاروا بين ان أَقبل التّجديد لولايةٍ ثالثةٍ او ان نتعاون لبناءِ الدّيمقراطية في بلدِنا الجديد الولايات المتّحدة الاميركيّة؟! عِلماً بانّهُ المؤسّس الحقيقي للبلاد والمدوّن الأساسي للدّستور الذي تحمل نسختهُ الاخيرة التي تمّت المصادقة عليها تعديلاتهِ الاخيرةِ بخطّ يدهِ في المتحف الخاصّ في مدينة (فيلادلفيا) أَكبر وأَهم مُدن ولاية (بينسيلفينيا) [تقع على السّاحل الشّرقي للولايات المتّحدة] وخامس أَكبر مدينة في الولايات المتحدة، وأول عاصمة لها.
   وليس فيهم من يشبه (جاك شيراك) [١٩٣٢ - ٢٠١٣] الذي ظلَّ مُحتفظاً بمشروع قانون تقليص مُدّة الدّورة الرئاسيّة من (٧) سنوات الى (٥) سنوات مازال هو في المعارضة، لحين تربَّع على كُرسي الرئاسة الفرنسية في قصر الاليزيه [١٩٩٥ - ٢٠٠٧] قدّم المشروع للجمعيّة الوطنيّة لتصادق عليه بأَغلبيةٍ مريحةٍ، ليكون أَوّل رئيس فرنسي يقضي المدّة الدستوريّة الجديدة في قصر الاليزيه!.
   وليس فيهم أَبداً من يشبه (نيلسون مانديلا) [١٩١٨ - ٢٠١٣] الذي رفض هو الآخر التّجديد له لولايةٍ ثانيةٍ، وليس ثالثةٍ، لرئاسة جنوب افريقيا [١٩٩٤ - ١٩٩٩] مُصِرّاً على بذل الجهد لبناء الدّولة على تكريس السّلطة، على الرّغم من انّ الفضل يعود لهُ عندما ناضل لينتزع حقّ الاغلبيّة في بلادهِ (السّود) في السّلطة قضى خلالها (٢٧) عاماً في السّجن [١٩٦٣ - ١٩٩٠]. 
   وليس فيهم من يشبه الآباءُ المؤسّسون الذين كتبوا الدّستور الأميركي [١٧٧٩ - ١٧٨٩] بمقاساتٍ وطنيَّةٍ تاريخيّةٍ يصلح لأَن يكون خارطة طريق لبناءِ دولةٍ هي من اعظم دول العالم الحديث، لازالت فاعليَّتهُ وحيويَّتهُ سارية المفعول لحدِّ الآن على الرّغم من مرور اكثر من قرنَين من الزّمن منذ المصادقة عليه من قبل الشعب الأميركي!.
   ومن نافلةِ القولِ، بالتَّأكيد، التّذكير بأَنّهُ ليس فيهم أَحدٌ يشبه (قنبر) خادم الامام أَميرُ المؤمنين علي بن أَبي طالب عليه السلام الذي قال مُحدِّداً فلسفة السّلطة والحُكم عندما دَخَلَ عليهِ مرّة عبد الله بن عبّاس بذي قار وهو يخصِفُ نَعلهُ، فقال لهُ الامام (ع): ما قيمةُ هذا النَّعْلِ؟ فقال ابْنُ عبّاس: لا قيمةَ لها! فقال أَميرُ المؤمنين (ع): والله لَهِيَ أَحَبُّ إِليَّ من إِمْرَتِكُم، إِلاّ أَن أُقيمَ حقّاً، أَوأَدفعَ باطِلاً!.
   المشكلةُ هي أَنّنا مسكونون بنظريّةِ الزّعيم التّاريخي، والقائد الرّمز، والقائد الضّرورة، على العكسِ منهُم، ففي البلادِ 
التي يحترم الزّعيم نَفْسَهُ ويحترم شعبهُ، لا يتكرّر في كلّ الظّروف، حتّى اذا كانت مُتناقضة، وكأنّهُ قدرُ البلاد شاءَ من شاء وأَبى من أَبى، ولذلك فالهزيمة عندهم لها (زعيمّ) والنصرُ لهُ (زعيمٌ) آخر، والفسادُ له (زعيمٌ) وللنزاهةِ (زعيمٌ) آخر مُختلفٌ تماماً، وللفشلِ (زعيمٌ) وللنّجاح (زعيمٌ) آخر يختلف، امّا عندنا فالزعيمُ واحِدٌ للهزيمة وللنّصر في آن، وللفسادِ والنّزاهة في وقتٍ واحد، وللفشل والنّجاح في نَفْسِ الوقتِ.
   أَلزَّعِيمُ عندنا (سوپر زعيم) يصنعُ كلّ شَيْءٍ ويعودُ الفضلُ اليهِ في كلّ شَيْءٍ، ولذلك ضاعت عندنا المقاييس وضاع عندنا الفرق بين المصطلحات والمعاني، بل اختلطت علينا الامور، فلم نعُد نميّز بين معاني المصطلحات حتّى تطابقت وكأنّها واحدةٌ.
  فعندما يظهر على الشّاشة الطّاغية الذليل صدّام حسين في كلّ الظّروف! وعلى مدار (٣٥) عاماً! فكيف سنميّز بين النَّصْرِ والهزيمةِ؟!.
   كذا الحال اليوم، فالزّعماء هم أَنفسهُم في مجلس الحكم ولحدّ الان، بل هم أَنفُسَهُم زعماء المعارضة والحكم! إِنَّهُم زعماء النّصر والهزيمة! وهم أَنفسهُم زعماء الفساد والنّزاهة! وهم أنفسهُم زعماء الفشل والنّجاح! وهم أَنفُسَهُم زعماء الفوضى والاصلاح!.
   وأكثر من هذا! فلقد تطوّر الغباءُ المركّب عند البعض ليُطالب باستنساخِ الزّعيم الأوحد والقائد الضّرورة على الرّغم من انّهُ اعترفَ بعظمةِ لسانهِ وبالفمِ المليان بفشلهِ السّاحق بعد (٨) سنوات من السّلطة شبه المطلقة، وعلى الرّغم من انّهُ كانَ قد دعا الى إِبعاد الطّبقة الحاكمة عن العمليّة السياسيّة بسبب فسادِها وفشلِها، بمن فيهم هو نَفْسَهُ! ثمّ يأتي أَحدهم ليطالب باستنساخ الفَشَلِ الذي تمثّل بالزّعيم التّاريخي!.
   ثمّ تطوّر التميُّز عندنا لدرجةٍ انّ هذا القائِد الضّرورة الذي اعترف عدة مرات بفشلهِ! مازال يبذل قُصارى جهدهِ للعودةِ الى السُّلْطَةِ! والأَتعس في كلّ هذا أَنّك تجد من لازال يُصفّق لهُ ويبّرر لهُ ويُفلسِف لهُ بانتظارِ ان يعودَ صاحبهُ الى السّلطة! ترى! من أَجل ماذا؟! اذا كان هو نَفْسَهُ قد اعترفَ بفشلهِ؟! أهوَ قدرُ الاغبياءِ مثلاً؟! لا أَدري!.
   في ظلِّ هذه الحال، ما هو الطّريق، إِذن، لتحقيق التّغيير المرجو؟!.
   غداً، سنتحدّث عن الحلّ!