كَنْسُ الثَّقْافْاتِ أَوَّلاً |
للأسف الشّديد فانّ ما دعوتُ اليهِ عندما أَخرج العراقيّون الطّاغية الذّليل صدّام حسين من البالوعة كجرذٍ مرعوبٍ، ومُلخّصُ فحواهُ؛ [انّ العقائد ليست أفراداً وانّما هي ثقافات تتربّع في العقول، فاذا أردنا ان نطوي صفحة الماضي الأسوَد ينبغي ان نكنس ثقافات الطّاغية وحزبهُ ونظامهُ ورجالاتهُ المجرمين من عقولِنا ولا نكتفي بتصفيتهِم جسديّاً او على الورق بقراراتٍ وتشريعاتٍ لا تُغني ولا تُسنن من جوعٍ على أَرضِ الواقع] لم يترك أثراً كافياً في جهودِنا الرّامية الى بناءِ عراقٍ جديدٍ خالٍ من الظّلم والقهر والتمييز .
يثبت لنا الواقع يومياً انّ الخلف الذي تربّع على السّلطة في بغداد بعد السّلف الذي سقط عام ٢٠٠٣، استنسخَ الثّقافات، وكأنّهُ شعر انّها لم تكُن مجرّد اجتهادات او نزوات عبثيّة لجأ اليها الطّاغية لتثبيت دعائم حكمهِ الظّالم! وانّما هي أَساسات ودعائم أَيّة سلطة حتى اذا تلفّع صاحبها باسم الدّين والمذهب والمقدّسات والتّاريخ الناصع وطُرِّزَت مكاتبها بأسماء الشّهداء والمجاهدين!.
وهكذا تَزِلُّ السنتهم كلَّ يومٍ عمّا يُشيرُ، وبالقطعِ واليقين، بانّهم أسوءُ خَلفٍ لأَقبحِ سّلفٍ، ليكتشف الشّارع العراقي انّهم بالفعل طُلّاب سُلطة وليسوا رجال دولةٍ ابداً، على الرّغم من كلّ مشاهد التّمثيل التي يقدّمونها لنا يوميّاً! خاصَّةً ايّام محرّم الحرام، عندما يظهرون علينا يبكون ويلطمون ويخوطون في قدور القيمة، وصدق أَميرُ المؤمنين (ع) عندما قال {تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا، فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ}.
فكلّنا نتذكّر انّ واحدةً من أَخطر السّياسات المُمنهجة التي كان يتميّز بها الطّاغية الذّليل فترة حُكمهِ المظلمة هو اللجوء الى إِسقاط الجنسيّة عن المعارضين، او عمّن يتحسّس مِنْهُ أدنى خطرٍ، فكان إصدار قرارات إِسقاط الجنسيّة عن المواطنين أَسهل عِنْدَهُ من شرب الماء، فكنّا نسمع عنها في التّلفاز او نقرأها في الصّحف مرّةً او اكثر في العام الواحد، ضِدَّ رموزٍ وشخصيّاتٍ وعمالقة عراقيّون وعلى مختلف الاصعدة، منهم على سبيل المثال لا الحصر، الجواهري والبياتي، حتى اذا حلّ العام ١٩٨٠ أَصدر الطّاغية قراراً هو الأشمل والأوسع في العالم القديم والحديث! قضى باسقاطِ الجنسيّة العراقيّة عن الملايين من المواطنين الاصيلين الاوفياء لبلدهِم وتاريخهِ وحضارتهِ وثقافتهِ، بل ضدّ شريحةٍ من المجتمع العراقي هي واحدة من أَعرق الشّرائح التي لعِبت دوراً عظيماً في بناء البلد وفي مختلف الاختصاصات، واقصد بها شريحة الكُرد الفيليّة!.
مرّت أَمام خاطري صوَر التّهجير القسري الظّالمة والمأساويّة الذي أعقب قرار إسقاط الجنسيّة عن هذه الشّريحة المجتمعيّة المضحّية بعد ان جرّدهم النّظام الشّمولي البوليسي عن كلّ مما يملكون من اموالٍ منقولةٍ وغيرِ منقولةٍ! وانا اقرأُ دعوةً جديدةً وجّهها [خلف] للحكومة العراقيّة يطلب منها إِسقاط الجنسيّة عن (خَطيبٍ) فضحَ فساد (عِجْلٌ سمينٌ) واحِدٌ على الأقل واتهمهُ بالفسادِ والّلصوصيّة والفشل، كما فضحَ اكذوبة الاسم الدّيني الذي يحملهُ حزبهُ الحاكم!.
لا ينبغي للعراقيّين ان يستغربوا من هذا الطّلب، على الرّغم من انّهُ يتعارض ومبادئ الدّستور، كما انّهُ يتعارض من المبادئ والقيَم الدّينية والمذهبيّة التي يتّخذ منها الموما اليه ومن لفَّ لفهُ ساتِراً يتخندق خلفَها!.
إِنّما الذي أُريدُ قولهُ انَّ هذا وامثالهُ كانوا قد دَعَوا قبل ذلك الى إسقاط الجنسيّة عن واحدٍ من المراجع الكبار الأربعة في النّجف الأشرف، وأَقصد بهِ المرجع النّجفي! عندما [اكتشفوا] انّهُ ينحدر من اصولٍ باكستانيّة! بمجرّد ان فضحَ فسادهم ولصوصيّتهم وفشلهم وطالبَ بالتّغيير في الانتخابات النيابيّة الأخيرة!.
كما انّهم دَعَوُا الى مثلِها ضدّ المرجع الفيّاض في عددٍ من مجموعاتهِم الحزبيّة الخاصّة على مواقع التّواصل الاجتماعي!.
انّها، إِذن، سياسات ومنهجيّات إِستنسخها الخلف من السّلف، ربما بسبب وحدة المنبع لا ادري! وانّ الفرق الوحيد بين الاثنَين هو الزِّي والهويّة والاسم، يعني الظّاهر، امّا المحتوى والباطن والجذور فواحدةٌ!.
أُجزم لو انّ [هذا النّوع من الذّيولِ والابواق] كانوا يمتلِكونَ قيراطاً إضافيّاً من الجسارةِ والسّفالة لطالبوا بإبعادِ المرجع الاعلى وتهجيرهِ الى مسقطِ راْسهِ يوم انْ جاء جوابهُ على رسالةِ الاخوة في قيادة (حزب الدّعوة الاسلامية) بما لم يشتهيهِ صاحب نظريّة (بعد ما ننطيها) وذيولهُ وابواقهُ!.
انّهم لا يتورّعون عن شَيْءٍ ابداً، ولا يردعهُم رادِعٌ عن اتّهام الآخرين أَبداً، فالتّهمة وفبركة الاكاذيب ضدّ من يختلف معهم مهنتهُم المفضّلة التي يُنجزونها كمن يشرب الماء، ولا أبسطُ منها شيء!.
لقد ابتُلينا (بعجولٍ وذيولٍ) تحكم البلد بَيْنَ الفَينة والأُخرى، ولم يكن الطّاغية الذّليل صدّام حسين بِدعاً في تاريخ العراق الحديث، وربما حتّى القديم مِنْهُ! فهي الحالة التي تُنتجُها ثقافة (عبادةِ الشّخصيّة) التي تُساهم بشكلٍ كبيرٍ في صناعة الطّاغوت!.
لو انّهُ كان قد كسبَ جولة (الوِلاية الثّالثة) لشهِدنا اليوم قرارات إِسقاط الجنسيّة عن مواطنين كثيرين، ولشهدِنا اليوم حمَلات تهجير قسريّةً واسعةً جداً، ولكن هذه المرّة ليس الى إِيران فحسب وانّما الى السّويد وبريطانيا والدّانمارك وأَميركا وكندا والنّرويج وألمانيا والى كلّ دُوَل العالم!.
هُم نموذج من دونِ ان أُبَرِّئ ساحة الآخرين! فلكلِّ حزبٍ او كُتلةٍ (عُجولٌ وذُيولٌ) كلّما داسَ مواطنٌ مُشاغِبٌ على وَاحِدَةٍ منها صرخَ بوجههِ وشنَّ عليهِ جامَّ غضبهِ! طبعاً بعناوينَ مقدسةٍ [مع قليلٍ من دُموع التّماسيح لإظهار المظلوميّة والتّذكير بالشّهداء خاصة من العُلماء والفقهاء] يرتعِب منها المواطن المُغفّل او السّاذج او الذي غَسلت دماغهُ ماكينتهُم الإعلاميّة التضليليّة!.
أَيّها العراقيّون؛ ساعِدوا السّاسة والحُكّام على كنسِ ثقافاتِ الطّاغيةِ وعقائدِ حزبهِ ومنهجيّاتِ وسياساتِ نظامهِ من عقولهِم قبل ان تُصفّقوا لقرارِ تحريمِ أَو تجريمِ الانتماءِ الى الحزبِ (المُنحلِّ).
وبدلاً من ان تنتظروا سقوط صَنمٍ آخر في ساحةِ الفُردوسِ، أَسقطوا العقائد الفاسدة التي توارَثها الخَلف الأغبى عن السّلف الغبّي!.
وصدقَ مَن قال؛ إِنّ التّلميذ أُستاذٌ ونُصف! خاصَّةً اذا كان يحرص على إِسباغ الوضوء قبل الدّوام في الوزارة!.
٧
|