علي حسن المجيد ينهض من جديد |
لو أقسم المالكي باغلظ الايمان بأن ما حدث في الحويجة كان دفاعا عن هيبة الدولة لما صدقته، حتى لو كان ذلك صحيحا، فهل يعفي ذلك القائد العام للقوات المسلحة، وضباطه الكبار من جريمة قتل العراقيين بدم بارد..؟ للأسف النتيجة هي أن ما جرى مخالف لكل الشرائع بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وبالتالي علينا أن نواجه الحقيقة، وهي أننا نعيش لحظات عصيبة، وأن الخوف على مستقبل البلاد وأمنها واستقرارها لا يمكن أن يصبح رهينة بيد قادة عسكريين لايريدون لنظام "القائد الضرورة" أن يغادر ذاكرة الناس. لقد بات واضحا الآن أن المستفيد الوحيد من هذه الفوضى هم مقرّبو المالكي، وبالتالي فعلى كل شخص أن يحسم أمره، هل هو مع مصلحة الوطن، أم مع مصلحة بضعة عسكريين ومراهقي سياسة يريدون تقسيم البلد؟! القرار السريع الذي ينتظره الناس بعد مذبحة الحويجة هي إقالة كل المسؤولين عنها: من صاحب "الوزارتين" سعدون الدليمي، مرورا بقائد القوات البرية علي غيدان الذي أصرّ على اعتبار الحويجة مدينة "معادية" يجب استئصالها من الوجود، حتى الناطق الإعلامي باسم وزارة الدفاع محمد العسكري الذي ظهر أمس من على قناة العراقية بكامل زينته و" تخم " من المحابس، يحتفل بالقضاء على فلول الحويجة. المسألة بالنسبة لي ليست شخصية، كما أنها ليست متعلقة بفشلهم المتواصل في الملف الأمني، لأن الناس أدركت مبكرا أنها تعيش في ظل تهريج أمني، ومسؤولين ظلوا يصدعون رؤوسنا بأننا نعيش أزهى عصور الاستقرار، ولكنني اريد ان انبه الى ظاهرة علي حسن المجيد التي استفحلت في الآونة الأخيرة، وبدأت تتفشى في قطاعات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، الجانب الجوهرى فيها هو أنه كلما قتلت وضربت واستخدمت كل ما لا صلة له بالقانون، يمكنك أن تنجح، والأخطر أن الناس تخاف منك وتهابك ، هذه الظاهرة انتقلت من السياسة الى الامن، وأصبحنا نرى نوابا ومسؤولين يستخدمون أيديهم للضرب وألسنتهم للشتائم، أكثر من استخدام عقولهم للإقناع، ووصل الأمر إلى حد استخدام العصي والأحذية في حسم الخلافات داخل قبة البرلمان. مرة أخرى لا أتحدث عن الأشخاص، بل عن الظاهرة، وللأسف الشديد أن مسؤولين كباراً وقادة أمنيين مصرّون على أن يثبتوا لأنفسهم أن قتل الناس واستعبادهم وبث الرعب في نفوسهم هو الطريقة المثلى لحكم البلاد، منذ سنوات ونحن نعيش عهدا كئيبا وكالحا مليئا بأمثال علي حسن المجيد بأسماء وعناوين جديدة. لا يمكن لهذه النماذج أن تواصل العمل بنفس هذه النظرية " القمعية "، ولهذا فإن وجود من يروّج لهذه النظرية خطر على أي محاولة لاستقرار البلاد، لأنهم لا يملكون غير الصراخ ولغة القتل. نريد قادة أمنيين ومسؤولين يعتمدون المنطق والحجة والإقناع ، إذا كنا نهاجم مسؤولاً فاشلاً سرق أموال الشعب، فإننا سنقف بشدة ضد كل من تسوّل له نفسه إعادة علي حسن المجيد ووطبان وسبعاوي وأجهزتهم الأمنية إلى الحياة ثانية. المشهد اليوم يظل حافلا بالعديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام الحائرة، ما معنى تضحيات العراقيين في الخلاص من الظلم والدكتاتورية ليجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام دكتاتوريات القتل المجاني والترهيب والتخوين؟. ما معنى أن نجد قادة أمنيين كانوا معظم سنوات عمرهم جزءاً من منظومة أمنية قمعية، ثم يدّعون اليوم أنهم يحاربون فلول النظام السابق، ما معنى إصرار المالكي ومعاونيه على استعادة الممارسات ذاتها التي طالما أتهم صدام بممارستها ضد معارضيه، إن الصمت على ما جرى في الحويجة سيحوّل هذه الممارسات إلى منهج، بحيث تبدو معه قوات المالكي وكأنها قوات صدام. كنا ومازلنا نحلم أن نرى الحكومة تستجيب لمطالب الناس قبل أن يطلبوها، وأن تدرك أن الاستجابة لمطالب العراقيين هي التي تحفظ النظام، و ليس طرق القتل البربرية. لا تصلح شماعة " مهاجمة نقاط التفتيش " هذه المرة لتبرير ما حدث من ماساة، فمن الواضح تماما أن هناك من يدفع بنا بقوة ودهاء إلى أتون جحيم طائفي لن يسلم منه أحد، وعليه يجب أن ننتبه جميعا إلى أننا الآن نواجه قوى تعتمد تكتيكا يشعل حوادث وازمات هنا وهناك، في إطار ستراتيجية منظمة لا تريد للاحتقان الطائفي أن يخمد. ليس مقبولاً أن تستمر هذه اللعبة التي أُريد من ورائها السيطرة على كل شيء، هناك ألغاز مطلوب الإجابة عنها: من المسؤول عن مجزرة الحويجة؟ من يتحمل التقصير؟ لماذا ينجح جماعة علي حسن المجيد في تحقيق أهدافهم؟ ومن هم الذين يسهّلون لهذه الانتهاكات والجرائم أن تحدث؟ ويبقى السؤال الأهم: أين رئيس الوزراء، ولماذا يبدو في مثل هذه المواقف وكأنه في مقاعد المتفرجين؟ |