(نِظْامُ الْقَبِيلَةِ)..مَعْزُولاً!
                           
   ١/ انّ جهود نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية العلنيّة لـ (تأهيل) اسرائيل في المنطقة تعود الى العام ١٩٨١ عندما قدّم ولي العهد وقتها (فهد آل سَعود) مبادرته للقمّة العربية المنعقدة في فاس، وجددها (عبد الله آل سَعود) في العام ٢٠٠٢.
   ان ما يجري الحديث عنه بشأن (تطبيع) العلاقات بين الرّياض وتل أَبيب، اذن، ليس شيئاً جديداً، وانّما هي جهود بذلتها الرّياض بهذا الصّدد على مدى أَكثر من ثلاثة عقود وتحديداً منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران التي اعتبرتها نُظُم القبائل الحاكمة في دول الخليج مصدر طعن شاخص بشرعيّتها! كونها تبنّت شعار التّحرير بشكلٍ جديٍّ يستند الى عقيدة ثابتة.
   ٢/ ثمّ تصاعدت جهود الرّياض بهذا الشّأن منذ سقوط نظام الطّاغية الذّليل صدّام حسين في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣، وظهور بوادر التّأسيس لنظام سياسي ديموقراطي برلماني جديد قضى على المنظومة السّياسية التي ظلّت تحكم العراق منذ التأسيس بدايات القرن الماضي في إطار مشروع ما يُعرف تاريخياً باتّفاق (كوكس - النّقيب) الذي اعتمد التّمييز الطّائفي والعنصري في إدارة الدّولة!.
   [وللتّذكير فانّ كوكس هو الحاكم السّياسي البريطاني في العراق إبان وبُعيد ثورة العشرين التحرريّة.
   امّا عبد الرّحمن النقيب فهو رئيس أَوّل حكومة شكَّلها البريطانيّون في العراق بُعيد الثّورة مباشرةً، وقد كان وقتها رئيس (أَشراف بغداد) وصاحب طريقة فيها! كان (عُثمانياً) قلباً وقالباً كما تذكر مصادر التّاريخ الا انّهُ إِنقلب عليهم عندما انهارت الدّولة العثمانية ليضع يدهُ بيد الإنجليز رافضاً توزير أَيّة شخصيّة شيعيّة في حكومتهِ الاولى (٢٥ تشرين الاول ١٩٢٠ - ٢٣ حزيران ١٩٢١) بدوافع طائفيّة بحتة عُرِفت عَنْهُ! لولا الضّغوط التي مارستها المس بيل، المستشارة البريطانيّة المعروفة، والمعروفة عند السّاسة (السُّنَّة) وقتها بالخاتون! عليه ما اضطرَّهُ الى توزير السيّد محمّد مهدي بحر العلوم وزيراً للمعارف!].
   ٣/ ومن أَجل تهيئة الرّأي العام العربي والإسلامي لقبول فكرة (التّطبيع) مع إِسرائيل، كان لابدَّ لنُظم القبيلة ان تصنع لهُ عدواً افتراضيّاً جديداً، لاشغالهِ بهِ! فأطلقت العنان لفقهاء التّكفير من الحزب الوهابي وأمثالهم لاصدار البيانات التي أَهدرت دم شيعة العراق، الذين سيكون لهم دور بارز في النظام السّياسي الديمقراطي الجديد كونهم أغلبيّة الشعب، والذين أطلقت عليهم الفتاوى التكفيريّة صفة (الفُرس المجوس) تارةً و (الصفويّين) تارةً أُخرى، معتبرةً انّهم أَخطر على الامّة من اليهود ومن إِسرائيل والصهيونيّة!.
   وقد تكفّل إِعلام البترودولار من قنوات طائفيّة وأقلام مأجورة وصحُف مسمومة في تسويق (العدوّ الجديد) بشكلٍ واسعٍ!.
   ولقد صدرت اوّل فتوى بهذا الصّدد بُعيد سقوط الصّنم في ساحة الفردوس مباشرةً وقّع عليها (٢٨) من كبار فقهاء التّكفير القابعين في بلاط (آل سَعود)! حرَّضوا فيها جراثيمهم ودوابّهم الى الهجرة الى العراق لقتلِ (الشّيعة) وذبحهِم وتفجيرهِم وهدمِ مساجدهم وحُسينيّاتهم، فلقد [فُتحت أبواب الجنّة للمقاتلين الشهداء من هناك] على حدّ قول البيان الذي بشّر دوابّهم بمائدة عشاءٍ او غداءٍ في الجنّة مع رَسُولِ الله (ص).
   ٤/ وبالفعل فلقد نجحت هذه الفتاوى الطّائفية التكفيريّة في غسلِ أَدمغة كثيرين فغيّرت الاولويّات في عمليّة الصراع الحضاري بين الامّة وأعدائها، وأسقطت بالضّربة القاضية قضيّة فلسطين من حسابات العرب والمسلمين، بعد ان استعاضوا عنها بالقتال ضدّ الشّيعة كونهم العدوّ الاوّل والأَخطر على الامّة، ولهذا السّبب لم نسمع يوماً ابداً انّ إرهابياً من الذين جنّدتهم فتاواهم الطّائفية هذه هاجمَ إسرائيلياً او فجّر نَفْسَهُ في مجموعةٍ صهيونيّةٍ او ما أشبه!.
   لقد ذهبت الفتوى المزعومة التي تقول انّ أَحد الارهابيّين سأَل شيخهُ التّكفيري عن الموعد المحتمل للبدء بقتالِ اليهود في فلسطين؟ فأَجاب قائلاً؛ سنُقاتلهم عندما يتشيّعوا! مضرباً للنُّكتة والسُّخرية من فقهاء التّكفير!.
   وتمادى التكفيريّون في غيّهم وفي تحريضهم الطّائفي من أَجل صناعةِ عدوٍّ مُفترضٍ جديدٍ للأمة عندما حرَّم فُقهاء الحزب الوهابي القابعين في بلاط (آل سَعود) الدّعاء لمقاتلي حزبُ الله اللّبناني في حرب تمّوز عام ٢٠٠٦، لينصرهُم على الصّهاينة! على الرّغم من انّهم قاتلوا وقتها ضدّ اسرائيل والعدوّ الصّهيوني الذي ظلّت الأنظمة العربيّة تُصدِّر كلّ بياناتها وبيانات مؤتمرات القمّة العربيّة التي ترعاها الجامعة العربيّة، بالتّذكير بالواجب القومي والدّيني والوطني المُلقى على عاتقها تجاه تحرير فلسطين!.
   ٤/ انّ الهزائم المتكرّرة التي مُني بها نظام (آل سَعود) في مختلف الملفّات الساخنة في المنطقة وكذلك محاصرتهُ اليوم دوليّاً كمنبعٍ للارهاب العالمي، انّ كلّ ذلك هو أَحد أَهمّ الاسباب التي دفعت بالرّياض الى ان ترمي نفسها في حضنِ إِسرائيل ظنّاً منها انّ بامكانِ الاخيرة ان تشفع لها عند المجتمع الدّولي وخصوصاً عند واشنطن ولندن، لفكّ العزلةِ عنها! ناسيةً أَو مُتناسيةً انّ زمن تأثير البترودولار في العلاقات العامّة والسّياسات الدّوليّة قد ولّى من غيرِ رَجعة، فلم يعُد لهُ ذلك الدّور المهمّ الذي يسيل من أجلهِ لُعاب إِسرائيل وحليفاتها الغربيّات.
   لقد نسيت الرّياض انّ واشنطن وحليفاتها ظلّت تحمي الأُسرة الفاسدة الحاكمة طوال أَكثر من (٩) عقود من الزّمن ليسَ من أَجْلِ سواد عيونِها وانّما من أَجْلِ سوادِ عيونِ الذّهب الأسود، فالغرب لا يتعامل مع عملائهِ بالاخلاق وانّما بالمصالح، فما هي مصلحتهِ الآن في أن يحمي (البقرة) التي كانت حلوباً اذا جفّ ضرعها اليوم؟!.
   ستُذبح البقرة التي جفّ ضرعها ان عاجلاً ام اجلاً! فما بالُك اذا كانت هذه البقرةُ مريضةٌ؟!.
   ودليلُ مرضها انّ سياساتها وأَجنداتها باتت تسجّل تراجعاً وهزائم في كلّ مناطق الصّراع السّاخنة، في سوريا واليمن والبحرين ولبنان والعراق وغيرها! وَإِنَّ حليفاتها باتت تتركنها لوحدِها الواحدة تلوَ الأُخرى [تركيا ودولة الإمارات] نموذجاً!.
   لقد تمّ عزل (البقرة) المريضة!.