القبول بمفاسدهم سبب في مآسيكم

 

   يُذكر إن حاكماً فاسقاً حكم دويلة غنية, فأفسد ونهب ثرواتها, واغتصب نسائها, وجند رجالها, فلا موسم إلا وصادر المحاصيل, واستولى على الثمار, فكثرت الفواحش وساد الظلم, فكان بدولته جماعة مؤمنة؛ كلما رفعوا أيديهم للدعاء لا يستجاب لهم, فمر بهم عابر للسبيل, فسردوا عليه قصصهم, فأجابهم: "القبول بمفاسدهم سبب في مآسيكم".   

فكلما حاول العراقيين تناسي فاجعة, يذهب ضحيتها العشرات من الشباب والأطفال والنساء الأبرياء حتى تقع جريمة أخرى, أكثر بشاعة, وأعظم فجيعة, لم تمضي أربعين ليلة على مأساة منطقة الكرادة قبيل عيد الفطر, لتحدث كارثة حريق مستشفى اليرموك, الذي خلف 12 جثة لأطفال خدج, لا ذنب لهم سوى إن ذويهم أودعوهم بمستشفى تحكمه عصابة من الفاسدين, استحكمت بالفساد تحت شعار الإصلاح.

   فأحسب إن مآسي العراق وويلاته وما يحدث يومياً من فواجع وكوارث, يندى لها جبين الإنسانية, ويؤنب لها كل ضمير حر, لا تنتهي وتتكرر في كل ليلة ويوم, فلا ينفع معها صلاة الخاشعين, ولا دعاء المتضرعين, فالظلم بدأ يكثر يوم بعد يوم, والمحاكم غصت بالدعاوى الاجتماعية والأخلاقية التي لم يألفها العراق, فتدانت سلوكيات المجتمع, وباتت الفواحش مادة المجالس, والظلم مؤنسة الجالسين.

   ولو رجعنا لحكاية العابر للسبيل, والذي مر في تلك الدويلة الغنية, وسألناه لقال كما قال لأولئك المؤمنين, حيث اخطر حينما طالبت المرجعية الدينية بالإصلاحات فخرج الجميع يتظاهر, وكلاً يهدف ضد الأخر, وشعارها "كلهم شلع قلع" حتى شكل المفسدين جبهة للإصلاح داخل البرلمان, وبات الحاكم المتهم بالفساد ينادي بالإصلاح, فستمكن من العقول, وراح الكل يصفق للفاسد؛ بأنه مصلح, وهذا الظلم بعينه.

   فما يحدث في العراق من ظلم وفواجع, أضحت لا تهز الضمائر, ولا تعرق منه الجباه, كون الأغلبية العامة راضية بحكم الفاسق وتصفق للفاسد, ولا تفرق بين المحسن والمسيء, ولا تملك القدرة على التغيير, فغرق الحكام في مستنقعات الفساد والرذيلة, وأصبحت الفواجع لا تؤلم ألا من به الألم, فالمسؤول المتمكن هو من يفسد ويسرق, فكيف يتألم لما يحدث للرعية من مفاسد؟!.

   فالضمير الإنساني حينما يموت لدى العامة, فلا ننتظر من الخاصة ضمائر حية, فمفاسدهم وسرقاتهم أعمت بصائرهم, وأماتت قلوبهم, وهناك الكثير من الرعية يدافع عنهم, فبقى المظلومين يدعون فلا يستجاب لهم.