طَرِيقُ الْتَّغْييرِ آلْمَرْجُو! [٢] |
كما هو متوقّع فانّ الحريق الذي شَبَّ في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي على إِثْر جلسة مجلس النوّاب العاصفة الاخيرة، قد أُخمدَت نيرانهُ اليوم ولم يبق منها الا الدُّخّان الأسود الذي يُعمي العيونَ والأبصار.
هذا ليس مُهمّاً فلقد تعوّدنا عليهِ فنحنُ العراقيّون تشبُّ نيراننا بسُرعةٍ وتُخْمِدُ بسُرعةٍ، وكما وصفتها في مقالتي قبل عدّة أَيّام فهي كالنّار التي تشتعل في [العاقول البرّي] تشبُّ بسُرعةٍ وتَخْمِد بسُرعةٍ، ميزتُها فقط أَنّها تُضيء مساحات واسعةً جداً ولكن لفترةٍ زمنيّةٍ قصيرةٍ جداً! انّها نارٌ مُخادعة!.
كذلك، كما كان متوقّعاً فانّ ما راهن عليهِ العراقيّون تبيّن لهم انّهُ {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} فلقد تكرّر المشهد في دهاليز القضاء مرّةً أُخرى، صدمَ كثيرون! بغضّ النّظر عن صحّة النّتائج او خطئها، انّما حديثي هنا عن ظاهرةٍ باتت تتكرّر بشكلٍ مستمرٍّ ومع ذلك لازال الشّارع العراقي يبتلع طُعمها وفي كِّل مرّةٍ يُمنّي نَفْسَهُ ويقول [انّ المرّة هذهِ تختلف عن المرّات السّابقة!].
في مقالتي بتاريخ [٤ آب] المنصرم قلتُ ما نصُّهُ [٦/ وبعد كلّ هذا! لازالَ الرّأي العام العراقي ينتظر أَن يفصح القضاء عن الحقيقة! وهو يعرِف جيداً وبالقطعِ واليَقين بأَنّهُ قضاءٌ فاسدٌ ومسيَّسٌ ومُنحازٌ ومُتستّرٌ]!.
لماذا؟ أَلهذهِ الدّرجة باتَ العراقيّون ينسون؟ أَلهذهِ الدّرجة باتوا يخدَعون أَنفسهم؟ أَو لم يعودوا يتذكّروا الامور والتّجارب حتّى القريبة جداً منها؟!.
لا علينا، فقد تكون هذه كذلك من طبيعةِ العراقيّين ولذلك يتكرّر عندهم التّاريخ القديم والحديث بكلِّ تفاصيلهِ المُملّة! على أمل ان يتعلّموا باْذن الله تعالى!.
الخطورة لا تكمن هنا، وانّما تكمُن عندما تتعامل (النُّخَب) مع الحدث بنفس طريقة تعامل الشّارع معها! فذلك ما يُعقّد المهمّة ويُصعّب عمليّة التّغيير المرجو والمُرتقب!.
انّ النُّخَب عادةً والتي تُمثّل الحلقة الوسطيّة بين السّلطة والشّارع، هي التي تقود عادةً التغيير او على الأقل تُنظّر لهُ وترسم رُؤاه وتحدّد خريطة الطريق، كما أَنّها هي التي تُمارس الاصلاح المرجو أَو على الأقل تُحرّض عليه بالطُّرق الدّستوريّة والقانونيّة وبكلّ الوسائل المنطقيّة والعقليّة المُتاحة!.
فماذا يعني عندما تُفكّر بنفس طريقة الشّارع؟! او انّها تتوقّع كما يتوقّع الأَخير؟! او انّها تنتظر كما ينتظر الأَخير وتُفسّر كما يُفسّر الأَخير؟!.
انّ ذلك يعني انّ هذه النُّخب مُزوَّرة وليست حقيقيّة، هي تتقمّص شخصيّة النُّخبة فقط! فهي إمّا ان تكون جزءٌ لا يتجزّء من السّلطة وأحزابها وكُتَلها ولذلك فهي تنقسم على نفسِها في اللّحظة الحرِجة كما تنقسم السّلطة وأحزابها على نفسِها في كلّ منعطفٍ سياسيٍّ او صراعٍ على السُّلطة او على النّفوذ!.
او انّها لا تتميّز بِشَيْءٍ عن الشّارع فانّ ما تدّعيهِ من انّها نُخبةً هو مجرَّد إِدّعاء كاذب لا أساس لهُ مِنَ الصحّة! كما هو حال حرف الدّال الذي باتَ يسبق أَسماء كثيرين زيفاً!.
انّ غياب النُّخبة الحقيقيّة والواعية التي تمثّل بشكلٍ حقيقيٍّ وواقعيٍّ الحلقة الوسط في الدّولة بين السُّلطة والشّارع، يُعقّد الامور كثيراً ويُعقّد احتمالات الاصلاح الحقيقي، ولهذا السّبب رُبما تعقّدت الامور في العراق كثيراً، لانَّ النُّخَب الحقيقيّة غابت أَو غُيِّبت لا فرق فالنَّتيجة واحدةٌ، أَو رُبما هي أصلاً غير موجودة وانّ كلّ ما هو موجود ليس أَكثر من عبارةٍ عن أَجزاء مُتناثرة في وسائل التّواصل الاجتماعي هي إِمتدادٌ للأحزاب والكُتل الحاكمة، وفي أَغلب الأحيان هي عبارةً عن أَبواقٍ لهذا القائد الضّرورة أَو ذيلٍ لذاك [العجل السّمين] بمثابة خلايا نائِمة في مواقع التّواصل الاجتماعي تنشط وتُثير العواصف بمجرّد أَن يدوسَ مُواطنٌ ساذجٌ مثلي على ذيلِ [عِجْلٍ سمينٍ] حتى اذا لم يقصدهُ او قصدهُ عن طريق الصُّدفة! كما رأَينا ذلك مثلاً في اليومَين الأَخيرَين!.
ما يُثير الاستغراب كذلك، هو انّ هذه النُّخب تحديداً تتوقّع من القضاء ان يفصل في قضايا الفساد المُثارة أَخيراً تحت قُبّة البرلمان، وهي تعرف جيّداً قبل غيرها انّ القضاء هو هو نَفْسَهُ لم يتغيّر مِنْهُ شيئاً! فهو نفس القضاء الذي طالب الخطاب المرجعي قبل عامٍ تحديداً وفي خطبة الجمعة ليوم (٢١ آب ٢٠١٥) بإصلاحهِ وتطهيرهِ من الفساد، فهل تغيَّر شيءٌ منذ ذلك اليوم ولحدّ الآن لتنتظر النُّخب إجراءات مُغايرة مِنْهُ تختلف عمّا جرت العادة عليهِ في السّابق؟!.
مَن الذي تبنّى دعوة الخطاب المرجعي بهذا الصّدد فبدّل وغيّر وطهّر ونظّف واصلحَ القضاء من الفساد لينتظرَ اليوم اداءً مغايراً مِنْهُ؟!.
لقد اعتبرَ الخطاب المرجعي وقتها انّ تطهير القضاء من الفساد مُقدمةً واجبةً وضروريةً جداً لانطلاق عمليّة الحرب على الفساد والضّرب بيدٍ من حديدٍ في هذه الحرب، على اعتبارِ انّ أَداة الاصلاح قضاءٌ سليمٌ وصالحٌ! فهل تحقّق شيءٌ من هذا القبيل خلالَ عامٍ مرّ على الخطاب المرجعي لنتوقّع أَداءً مُغايراً ومُختلفاً من هذا القضاء الفاسِد؟!.
غريبٌ أَمر هذهِ النُّخب! فامّا هي غبية بالفعل! أَو انّها تتغابى لحاجةٍ في نَفْسِ يعقوب يُرِيدُ قضاها! او انّها تُجامل الشّارع وتُجاريه في محنتهِ وورطتهِ فحسب وتعزيّه في مصيبتهِ بمجاراتهِ بما يتمنّى حتّى اذا كان يحلمُ بأَمانيهِ!.
لا ينبغي ان نتوقّع من القضاءِ شيئاً غَيْرَ مُعتادٍ ما لم يتغيّر، فالتغيير نحو الأفضل شرط التَّحسين في الأداء، فهذا القضاءُ هو نَفْسَهُ الذي ظلّ يتستّر على فساد حكومة [القائد الضّرورة] على مدى (٨) سنوات! والذي ظلّ يُهدّد بالملفّات من دونِ فعلٍ مَلموس! فكيف ننتظر مِنْهُ اليوم انجازاً مُختلفاً وأَداءً مُغايراً؟!.
انّهُ القضاء الذي تستّر على جرائم كبيرةٍ ارتكبتها حكومة الموما اليهِ في دورتَين دستوريَّتَين كاملتَين، منها ضياع نصف العراق عندما تمدّدت فُقاعة الارهابيّين! وضياع مئات مليارات الدّولارات من خزينة الدّولة إِمّا على المشاريع الوهميّة أَو على صفقات السّلاح الفاسد أَو على الفساد المالي والاداري! فهل نتوقّع مِنْهُ ان يفصح عن حقيقةِ الفسادِ هذهِ المرّة؟!.
إِنّها أَحلامُ العصافيرِ! إستيقِضوا أَيُّها الحالِمون!.
*يتبع
|