أخطر عملية سطو

 

ما إن شارف  العقد الأول من الألفية الثالثة على نهايته حتى أصبح العالم العربي ككرة من نار تلتهم عروش الطغاة واحدا تلو الآخر ....

من شمال أفريقيا يأتي الغضب الشعبي كالطوفان ، مكتسحا معاقل الشر في عواصم الظلام ،

من القيروان إلى مصر إلى صنعاء إلى بنغازي... تسافر الأحلام ...

 تعبر البحار .. تجتاز الصحاري ...

فوق الرمال..

صيحات في كل مكان ..

يحدوها الأمل ..

 رافضة للقهر للظلم للجبروت   .. لسياسة الجوع وزنازين الموت .

ومن أجل تلك المطالب والهموم قدم شبابنا العربي دماءهم المقدسة قرابينا لربيع الثورات ،

وفي الأركان المظلمة قعد الانتهازيون كعادتهم ، يخططون ويتحالفون لسرقة حلم الجماهير .

وأمر طبيعي في المنطق السياسي الديموقراطي أن يعلن الجميع عن مشروعه وأن يتبارى كل طرف مع غيره بالوسائل الديمقراطية للإمساك بخيوط اللعبة ، لكن ما هو غير طبيعي أن يأتي طرف ما ، فيزعم أنه الوريث الوحيد لهذا الدم ، وأنه الوصي والابن الشرعي الأوحد لتلك الثورة  !! .

ففي الانقلابات العسكرية والحزبية ، عادة ما يستثمر الأنقلابيون مناصب الحكم لصالحهم ، لكن الأمر في الثورات الشعبية مختلف تماما ، إذا لا بد من شراكة وطنية ودور حقيقي للشعب في كل مراحل العملية السياسية ، وهذا ما لا تريد أن تفهمه أو تقتنع به الأحزاب الدينية المتطرفة ، لأن الأيدلوجية التي ينطلق منها أولئك النفر أصلا لا تؤمن بفكرة الديموقراطية ، بل تعتبرها بدعة وضلالة وواجب شرعي أن تسحقها وتسحق كل من ينادي بها .

لذلك منح السلفيون لأنفسهم الحق الإلهي بتكفير كل من يحيد عن هذا المفهوم ، ولن يبقى أمامهم سوى خيارين  إزاء ذلك ، فأما أن يجهضوا الثورة بالدم والعنف أو يلبسوها ثوبا قصيرا ولحية طويلة بالإكراه والدجل والزيف .

وقد نجد هذا المؤشر واضحا ومفهوما عندما رفع أحد ممثليهم النائب ممدوح إسماعيل الأذان تحت قبة مجلس الشعب المصري ليعلن لأتباعه وللعالم بصورة غير مباشرة أن الثورة والحكومة لابد أن تكون سلفية سواء بالسلم أو بإثارة الحروب والمتاعب .

فالمسألة ليست مسألة أذان ، أنما مسألة مزايدة على أسلامية المسلمين أولا ثم استفزاز وتحدي للأحزاب التقدمية والتيارات الدينية الآخرى و مصادرة هويتهم الوطنية من خلال تشويه خارطة الوطن الجديد سياسيا ودينيا وعقائديا وجعلها بصورة شيخ سلفي وهابي مستبد برأيه ،  ناهيك عن أنها رسالة تحريضية لمن شذوا معه فكريا وعقائديا بأن يستمروا بنهجهم القسري والاستفزازي لأرضاخ الآخرين  وأن الطريق مفتوح أمامهم للوصول إلى السلطة ،

وما كانوا يكتبونه على الورق قد حان الوقت أن يصبح مشروعا دستوريا وعملا  قانونيا .

والنتائج بهذا الأتجاه واضحة ، تمثلت بجملة من الممارسات الواطئة لهذا التيار في الشارع المصري والعربي خصوصا بعد وأثناء الثورات ، مستغلة الأنفلات الأمني والارتباك الحاصل في أجهزة الدولة وعدم أستقرارها .

 لذلك انتقلوا من طور الإفتاء النظري إلى طور التطبيق العملي .

قتل على الظن والتهمة بدون محاكم أصولية ، حرق دور العبادة ، هدم للكنائس ومراقد الأولياء والصالحين ، إثارة نعرات طائفية ، تكفير للمذاهب الإسلامية ، مجازر جماعية وعشوائية بدون رحمة راح ضحيتها آلاف الأطفال والمسنين والأبرياء في الأسواق والمدارس ، فتاوى بتحطيم الأهرامات وإزالة المعالم الأثرية والتراثية ، أجبار الناس على تحريم أطعمة وألبسة بدون نص فقهي ، وصل الأمر إلى تحريم جلوس الأب مع أبنته لوحدهما .

أي دين وأي فكر هذا الذي يريدون أن يسيّسوا به الدولة !!؟؟

أي عقل وأي منطق هذا الذي يحرم الزلابية والسمبوسه ويحلل رضاعة المرأة لزملائها في العمل !؟

أرادوا أن يختزلوا كل المذاهب وكل الفرق وكل الدين بشارب محفوف ونصف ثوب وهرطقات سخيفة كي يسفهوا عقول الناس ويسلبوهم أرادتهم وحريتهم في الحياة ، وتلك أبشع عملية انتهازية يقوم بها هذا التيار وأخطر محاولة سطو على أرث الأمة الإسلامية وأمجادها منذ أن تأسس هذا المذهب القذر وحتى الآن ،

 ولما شعروا بالفشل عمدوا إلى الدجل وشراء الذمم وإراقة الدماء وتدجين بعض خنازيرهم لسرقة تضحيات المناضلين وثوراتهم زاعمين أنهم يرجعون بهم إلى شريعة الله وسيرة السلف الصالح ، واعدين الناس بإنشاء خلافة أسلامية يسودها العدل والحرية والمساواة على حد مزاعم شيطانهم الأكبر أيمن الظواهري في تصريحه الأخير .

حريّ بهذا المذهب أن يطهر أفكاره أولا من الإرهاب والقذارة والتعدي على حقوق الناس قبل أن يدعي الغيرة على المسلمين وقبل أن يفرض وصايته بالإكراه على الشعوب  .

وأيّ غيرة على الإسلام وأيّ شريعة عادلة تلك التي يتبجحون بها ، عندما يقطـّعون طالبا مهندسا بالسكاكين من محافظة السويس لأنه يمشي مع خطيبته بدون محرم !؟

أين هم من شريعة الله عندما أجتمع ألف رجل علنا في اغتصاب جماعي لفتاة مسلمة في إقليم البنجاب تنفيذا لقرارات زعيم قرية ميروالا  !؟

يعجزون عن أدارة قرية تهين الإنسانية وتتجاوز حدود الله وحدود المنطق والشريعة في عقر ديارهم وفي عمق نفوذهم السلفي ويطلبون أدارة دولة حديثة بمؤسساتها ووزاراتها في أوطان العرب !!

وهل رغبتهم بتأسيس خلافة أسلامية في مصر لن تتم إلا بإزالة أبي الهول أم أن دولة العراق الإسلامية لا ترسي دعائمها إلا بأعتداء شواذهم على عروس في الدجيل !؟

لا أحد ينكر اليوم أن الإسلام السياسي له تمثيل في الحياة العامة للمجتمع العربي ، وقد يصعد وقد يتراجع تبعا للظروف والمتغيّرات .

ولكن هل هذا التمثيل حقا سلفي ، وهل فعلا يمتلكون قاعدة جماهيرية عريضة في الشارع  كما يزعمون ، وهل هم صوت الإسلام الحقيقي كما يدعون !؟

المشهد السياسي في أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي يُنبيء بخلاف ذلك ، وقد سجل السلفيّون تراجعا كبيرا بين الأوساط الدينية والسياسية والشعبية ، وأن كان هناك ثمة حراك شعبي أو حضور سياسي لهذا التيار في ساحة ما ، فذلك لدواعي المصلحة السياسية والمنفعة المرتبطة بأجندتها وسوف يزول هذا الحضور بزوال تلك المصلحة وينتهي بأنتهاء المرحلة التي تطلبت وجودهم كلاعب سياسي .

وعلى الأغلب سوف يضمحل هذا التيار ويُلقى به في مزبلة التاريخ بعد معارك طاحنة مع الأخوة الأعداء أنفسهم ، الذين جعلوا منه غولا وجندوه بالإنابة لتنفيذ مشاريعهم ومخططاتهم الخبيثة .

ولا شك أن أول المبتلين بسموم تلك الأفاعي هم من جعلوا بلدانهم مأوى لها وفتحوا خزائنهم لتربيتها .

وأن غدا لناظره قريب .

ياس خضير الشمخاوي – بغداد – ناشط في حقوق الإنسان