مفهوم الاستجواب بين تحقيقات القضاء وجلسات مجلس النواب! |
رغم ان المعنى المتعارف عليه للاستجواب وارتباطه بأذهان الناس بان من يتعرض له لا بد ان يكون متهماً، لكن عند الرجوع الى معنى الاستجواب في قواميس اللغة يتبين انه طريق لا بد منه من أجل الوصول الى الحقيقة التي لا تعني بالضرورة وجود جرائم او تجاوزات للقانون، فالاستجواب مصدر اِسْتَجْوَبَ، واستجوب الشَّخصَ طلَب منه الجوابَ، كما في استجوب القاضي الشاهدَ، او خَضَعَ الْمُتَّهَمُ لاِسْتِجْوَابٍ عَنْ حَيَاتِهِ وَتَنَقُّلاَتِهِ لاسْتِنْطَاقِهِ، أو كَانَ لاَبُدَّ مِن اسْتِجْوَابِهِ وطَرْحُ الأسْئِلَةِ لِيُجِيبَ عَنْهَا، ويرد غالبا في القانون بمعنى استخلاص الحقيقة أو المعلومات بالمساءلة والتحقيق، كما يرد ايضا بمعنى استفسار يتقدّم به أحدُ النُّوّاب من شأنه فتح باب المناقشة في مجلس النواب. تعريف الاستجواب في القضاء هو ( سماع اقوال المتهم ومناقشته تفصيلياً عن وقائع التهمة المسندة اليه ومجابهته بألادلة المختلفة وسماع مالديه من دفوع لنفي تلك التهمة والبحث عن حقيقة الحادث وبيان درجة مسؤولية المتهم فيها واثبات براءته من التهمة المسندة اليه وذلك عن طريق تقييم الادلة والظروف و الملابسات المحيطة بالجريمة). وهو اجراء من اجراءات التحقيق الابتدائي المهمة في جمع الادلة لادانة المتهم او لاثبات براءته، من خلال تعريف المتهم بالتهمة المسندة اليه ومناقشته لها لتقديم مالديه من ادلة للدفاع عن نفسه وذلك انكارا للتهمة الموجهة اليه او اعترافه على نفسه بأنه قام بارتكاب الجريمة، وهو(اي الاستجواب) ذو طبيعة مزدوجة لانه اجراء اتهام ودفاع في وقت واحد، هدفه الوصول الى الحقيقة لانه لا يهدف الى ادانة المتهم فقط، عليه فهو يعتبر اجراءاً خطيراً من الاجراءات التحقيقية التي تهدف الى جمع الادلة لادانة المتهم او لاثبات براءته من خلال تعريفه بالتهمة المسندة اليه ومناقشته بها لتقديم مالديه من ادلة للدفاع عن نفسه انكارا للتهمة الموجه اليه او اعترافاً على نفسه بأنه قام بارتكاب الجريمة، والتي وضع القانون ضمانات يجب مراعاتها عند استجواب المتهم وهو مانصت عليه المادة (123) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل في (وجوب استجواب المتهم خلال اربع وعشرين ساعة من حضوره بعد التثبت من شخصيته واحاطته علما بالجريمة المنسوبة اليه، وتدوين اقواله بشانها مع بيان ما لديه من ادلة لنفيها عنه، ولقاضي التحقيق ان يعيد استجواب المتهم فيما يراه لازما لاستجلاء الحقيقة، ويجب عليه اعلام المتهم قبل اجراء التحقيق معه بان له الحق في السكوت، ولا يستنتج من ممارسته هذا الحق اية قرينة ضده، وله الحق في توكيل محامي قبل المباشرة في التحقيق وان لم تكن له القدرة تقوم المحكمة بتعيين محامي منتدب له دون تحميله اتعاب ولا يمكن المباشرة باي اجراء حتى توكيل المحامي المنتدب)، وتم التأكيد في الدستور العراقي لعام 2005 في المادة 19 على الحقوق اعلاه وبشكل مفصل مما يرفع درجتها واهميتها من حقوق نص عيلها القانون الى حقوق دستورية. اما الاستجواب النيابي (البرلماني) فيتم النص عليه في الدستور، وقد تناول الدستور العراقي موضوع الاستجواب في المادة(61) مهام واختصاصات مجلس النواب واهمها تشريع القوانين الاتحادية والرقابة على اداء السلطة التنفيذية، ونص في( سابعاً-ج) على (لعضو مجلس النواب وبموافقة خمسة وعشرين عضوا توجيه استجواب الى رئيس مجلس الوزراء او الوزراء لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم، ولا تجري المناقشة في الاستجواب الا بعد سبعة ايام في الاقل من تقديمه)، كما بينت الفقرة(ثامناً) اجراءات مجلس النواب في حالة سحب الثقة من احد الوزراء وحق استجواب مسؤولي الهيئات المستقلة باعتبار ان البرلمان أعلى سلطة تشريعية يناط بها وظيفة تشريع القوانين ومراقبة السياسات العامة في الدولة, والرقابة على الاموال العامة للمجتمع ورقابة عمل السلطة التنفيذية (الحكومة). ان الأستجواب هو أحد صور الرقابة على أداء الحكومة(السلطة التنفيذية) من خلال تكوين اللجان البرلمانية المتخصصة والتي تقوم بمراقبة تطبيق التشريعات ورفع التقارير الى مجلس النواب, الذي يقرر ثبوت الاخلال أو التجاوز وله اتخاذ ما يراه مناسباً من إجراء الاستجواب والمساءلة داخل قبة البرلمان، وهذا الاجراء هو تقليد يمارس في كل البرلمانات الديمقراطية. عليه فهو من الوسائل الرقابية المهمة التي تخشى مواجهتها السلطة التنفيذية لما له من أهمية في كشف الخلل في أدائها، وتتمثل اهميته وخطورته في حق أقالة الحكومة وسحب الثقة منها أو من بعض الوزراء إذا أثبتت الأدلة تورطهم. لكن مع اهمية الاستجواب والنص عليه في الدستور والقوانين فانه يمكن ان يكون او يتحول الى وسيلة وطريقة لتصفية الحسابات السياسية والمنافسات بين الكتل والاحزاب والتيارات التي تجد فيه طريقا لاسقاط الخصوم وبيان فسادهم او قلة امكانياتهم وخبراتهم خصوصا في بعض البلدان التي تحولت الديمقراطية فيها من وسيلة لتداول السلطة وخدمة الناس الى احتكار ودكتاتورية الكتل والاحزاب والطوائف والمصالح الشخصية والمناطقية والتي جعلت الجميع متفقين او مشاركين بالفساد مما يمنع او يحول اجراء الاستجواب، او يجعله في حالة اجرائه خارجاً عن اهدافه وطريقه القانوني ليدخل في باب التسقيط والتربح السياسي والتشهير واتهام الخصوم السياسيين من خلال عرض الوقائع والوثائق بما يقلب الحقائق ويجعلها محصورة بصورة مكشوفة وفاضحة بطرف او اشخاص معينين رغم ان الجميع او(اغلبهم) لا يتميزاحدهم عن الآخر الا بقدر قوة الكتلة او الاشخاص الذين يدعمون الفاسد ويحمونه ولا يسمحون حتى بمسائلته او استجوابه. أخيراً فاننا نترك للقارئ الكريم تقييم اداء مجلس النواب العراقي في قيامه باستجواب وزير الدفاع الاسبوع الماضي، والعراق يعاني ما يعاني من احتلال ارضه ومدنه وهو يستعد لتحرير اكبر مدنه (الموصل) ويعاني الملايين من ابناء شعبه الاحتلال والنزوح والهجرة واللجوء، ولم يستطع مجلس النواب على مدى ثلاث دورات ان يستجوب ويقيل وزيرا اومسؤولا في العراق رغم انه البلد الاخطر والاكثر فسادا وخرابا ودمارا في العالم |