الدكتور الحقيقي ودكتور المصلحة

 

 ما معنى أن يكون المرء دكتورا؟! هل أساتذة الجامعات هم من يستحقون اللقب؟ أم السياسيون من أصحاب المناصب الحكومية أو رجال الأعمال من ذوي المراكز المتنفذة، أم من؟

(الدكتوراه) درجة علمية عالية أو رفيعة المستوى، تُمنح بعد درجتي البكالوريوس والماجستير (درجات علمية أولية أقل مستوى) من الجامعة/ أي جامعة معترف بها ولديها القدرة والسمعة والإمكانات العلمية المؤهلة. ومن هنا، فإن كلا من الطبيب/ الحكيم أو الصيدلي أو أخصائي العلاج الطبيعي أو حتى المشعوذ والمعوشب، ليس دكتورا (كمسمى) ما لم يتم الحصول على تلك الدرجة!. درجة الدكتوراه هذه تعتمد في الأساس على إبراز وعرض الأصالة والإبداع والتميز، وهي أولى مراحل تعلم الفرد الدارس أو الباحث لأصول البحث أو المنهج العلمي الصحيح “كتابة أطروحات علمية وبحثية، مقالات في مجلات محكمة عالمية، دراسات وأبحاث واستشارات وتقارير وغيرها.

والسؤال المهم هنا: من الذي يريد الحصول على درجة الدكتوراه هذه، ولماذا؟ والجواب سهل ومنطقي، فطالما هي درجة علمية في المقام الأول، فالجهات العلمية “الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية والأكاديمية” هي المسؤولة عن منح هذه الدرجة، وما لها وما عليها من أمور وترتيبات. وكما جرت العادة، فإن مدرسي الجامعات هم من يحرصون عليها لغرض استمرارية عملهم في الجامعات والمعاهد والمراكز العلمية والبحثية، فتكمن الدائرة في دخول الطالب المجد للجامعة، ثم يتفوق في مرحلة البكالوريوس وتتاح له فرصة المعيدية، ثم إكمال الدراسات العليا للحصول على درجة الدكتوراه، وأخيرا القيام بالدور نفسه في تدريس المرحلة الجامعية للطلبة الآخرين الداخلين للجامعة!، ثم، ومن خلال الإنجازات العلمية من تدريس ونشر بحوث وأوراق علمية في المجالات المتخصصة، تتم ترقية الأساتذة المميزين إلى أساتذة مشاركين وأساتذة Professors? كما هي الأسماء المتعارف عليها لأساتذة الجامعات.إذن، نفهم من هنا “ولغرض التبسيط للعامة نقول إن في الجامعة وظائف ومهمات تحتاج لنوعيات معينة من حملة هذه الشهادات ومنها مثلا: عميد الكلية وكذلك رئيس القسم أو أستاذ كرسي وكل هؤلاء يلزمهم “كما جرت العادة أو في العرف الأكاديمي” أن يكونوا قد تخطوا مرحلة درجة الدكتوراه والترقي إلى الأستاذية “خبرة مميزة عالية – بعد درجة الدكتوراه – من أبحاث وتدريس ومناصب إدارية عليا…. وغيرها”? أو درجات مشابهة في بعض الجامعات العالمية. إذن، قد يفهم من حديثنا هذا أن هؤلاء من حملة الدكتوراه “هم من الجامعة وإلى الجامعة”? أو بمعنى آخر هم ممن تم قبولهم لهذا الغرض نتيجة تفوقهم الدراسي في المراحل الأولى بالجامعة “درجة البكالوريوس –تقدير ممتاز أو جيد جدا مع مراتب الشرف- على سبيل المثال”? فاستحقوا أن يكملوا المسيرة، وكما ذكر في الأعلى. ما الذي يجنيه حامل الدكتوراه “الأكاديمي” الحقيقي بعد كل هذه المعاناة، تمتد بعض الأحيان إلى أكثر من 7 سنوات عمل كامل؟

نعم، هناك بعض المزايا والفوائد تمنح لأساتذة الجامعات وتختلف هذه من جامعة لأخرى، ومن بلد لآخر وقد تكون مادية أو اجتماعية وبحدود فهي في النهاية ليست مؤسسات ربحية أو تجارية كما هو الحال في شركات المقاولات أو الاتصالات أو حتى الحاسبات وأنظمة المعلومات “عند إدخال حوافز الأسهم والسندات مثلا.

نعم، هناك مزايا أخرى غير مرئية تخص هذا الجانب ويحرص عليها كثير ممن (تدكتروا) فكثير من الأنظمة الحاكمة في الدول ترتئي ترشيح “حاملي درجات الدال” في المناصب السياسية الرفيعة، مثل عضوية مجالس الأمة والشورى والغرف التجارية والبرلمانات والوزراء والمجالس البلدية والنيابية والقضائية والانتخابية والدبلوماسية وهكذا! وأكاد أجزم بأن هذه الظاهرة تفشت كثيرا في مجتمعاتنا الشرق أوسطية في الآونة الأخيرة، بدليل الهرج والمرج هناك بوكسات وتقاذف بالجزم/ الكنادر كما أظهرت بعض الفضائيات.

ما يحصل داخل أروقة هذه المواقع، ثم التخبط في القرارات الصادرة، فالجميع أصبحوا سواسية في أصواتهم (الدكتور الحقيقي ودكتور المصلحة) وعندها يكون قد استفاد أصحاب المنافع الخاصة والتحالفات الشريرة والقوى الضارة بالمجتمع، كما هو الحـــــال في دول العالم الراقي والمتخلف، ليدفع الشعب في النهاية ضريبة (الدكترة الوهمية).