صديقي السلفي

 

 أتحدث دائماً مع صديقي السلفي، الذي يصر على ان بركة الاسلام تتناقص بتقدم الزمن، وخير السنين يقتصر على 300  عام تبدأ بالدعوة الاسلامية. وصديقي هذا ـ أيها السادة ـ يصر ولا يمل من محاولة هدايتي إلى الدين الحنيف، بالرغم من مواظبتي على الصلاة منذ الصغر، وصيامي لشهر رمضان المبارك، بالإضافة إلى صوم التطوع ما استطعت، والتزامي بأوامر الإسلام ونواهيه.

وهو يرى أن فهمي للإسلام يخالف إجماع علماء الأمة، وأنه عليّ أن اجتناب أهل البدع، والكفار، والضالين المضلين، وأن أمتنع عن مجاملة وتحية أهل الذمة، متناسياً أن الرسول الكريم (ص) نفسه، كان يسالم اليهود في المدينة المنورة سنين عديدة.

صديقي السلفي مصر على هدايتي لما أنا مهتدٍ إليه أصلاً، ولم يقنعه أبداً أنني أتوجه إلى قبلته نفسها خمس مرات في اليوم. ولم يقتنع أبداً أنه يعيش أزمة، وأن أزمته ممتدة عبر العصور، ولا تقتصر على عالم ما بعد الحداثة.

وكذلك هو لا يقتنع أنه على خصام دائم مع الجغرافية؛ فالزيديون في اليمن، والإباضيون في عمان، والشيعة في الشرق وعبر الخليج، وفي بلاد العراق والشام فرق ومذاهب وطوائف وأديان، وفي الغرب الأزهر الشريف وخلفه ما لا يعد من الطرق الصوفية على امتداد وادي النيل، وخلف هذا الجدار الشائك، ملايين البشر لهم ملل ونحل ومذاهب فكرية يخطئها الحصر، ومع ذلك فهي برأيه بعيدة عن جنة عرضها السموات والأرض.

لا أظن أنني سألتقي مع صديقي السلفي، الذي بدأ ينظر إليّ نظرة مغايرة، ويتجنب الخوض في النقاش معي، بعدما انخفضت شهيته لهدايتي. ربما وجد ضالاً أسهل قياداً، وأيسر إقناعاً، وطريق الصداقة الطويل الذي قطعناه مذ كنا صغاراً لا نفقه من الدنيا شيئاً قد شارف على نهايته.

وأخيراً، أتوجس شراً من صديقي الذي ربما سيقتنع بأنني خطر على الإسلام، كما أنه متوجس خيفة مني لأنني متيقن أنه يهدد أمن المجتمع. كلانا على طرفي نقيض، ومع هذا نسارع إلى التحدث باسم الإسلام والاستشهاد بالسنة النبوية، وكلانا ننظر إلى سلف الأمة بعين الاحترام والتقدير والامتنان.

وأشك أنني سألتقي به في منتصف الطريق، لأنني أخشى منه كثيراً، ويخشى هو مني أكثر على دينه ديني فقطع كل حبال التواصل معي.