(فروخ الگنبرة) ما بين الادلجة والعسكرة

 

منذ بزوغ فجر الحضارات على بلاد ما بين (القهرين) وسكان هذه الارض يترنحون بين الادلجة والعسكرة حتى اصبحت كل حياتهم عبارة عن (حرب) و (جدال ) لذلك قال قائلهم (انا منذ فجر الخلق البس خوذتي ووصية الفقراء فوق نطاقي).

وبناءاً على هذا النمط من التربية التأريخية اصبحت احوال قاطني هذه البقعة تتقلب ما بين (قائد عسكري) و ( قائد روحي) وكلاهما يرفع شعار (نفذ ولا تناقش) على اعتبار ان طبيعة السلطتان العسكرية والروحية تتطلبان الطاعة العمياء وبدون تململ او اعتراض.

وجود شعب يؤمن بأن تقرير مصيره يتداوله اما عسكري او ايدلوجي جعله لا يؤمن بالمبادرة و لا يتطلع اليها بل يبقى حبيس القالب الذي يضعه له (ولي امره) العسكري ام الأيدلوجي لذا نرى ان كل تصرف يتصرفه هذا الشعب يكون مشفوعا بعبارة ( تلبية لنداء ..... او طاعة لامر...... ).

ما نلاحظه ان هذا الشعب وبعد وصول النداء او الامر تراه هائجاً مائجاً كالسيل الجارف لا يهدئ و لا يقر له قرار وهو يردد عبارات تمجيد و تقديس لمن اطلق امره او ندائه و يظهر استشعاره الكبير ل حلاوة طاعة الامر او تلبية النداء .

ما جعلني اكتب هذه السطور هو تفكيري بما كتبته يوم امس في منشورين حول ( اشتراكية فروخ الگنبرة) و ( تصحيح الوضع الصحي في العراق) حيث توصلت ان الشعب لا يزال للان لا يستشعر مرارة الظلم و قبح الفساد بقدر ما يستشعر حلاوة الطاعة ولذة تلبية النداء .

شعبنا اليوم يحتاج الى (هندسة مجتمعية) كبرى تقتلع منه ترسبات الالاف السنين من العسكرة والادلجة لتحوله الى مجتمع مدني هادئ له كرامة لا يمتهنها العسكر او القادة الروحيين تحت اي ذريعة كانت.

شعبنا اليوم يحتاج الى كرامة وهذه الكرامة تجعله شعب يحترم القانون و يشعر باهمية تطبيقه بعيداً عن جعجعة الشعارات التي تموه علينا الصورة وتجعلنا نعيش احلاماً غير واقعية تفترض باننا اعزاء حتى بدون قانون.

مجتمعنا اليوم محتاج الى ان يصل بنفسه الى قناعات جديدة بعيدة عن ما متداول اليوم من كلام يصدر ممن يريد ان يٌبقي الناس ككرة يتقاذفها العسكري والايدلوجي .