اللغة العربية من خلال مآسي شخصية

 

اللغة العربية كغيرها من القضايا المصيرية، يمكن النظر إليها من زوايا عدة تهم اللغة والمجتمع، ولعلّ التجربة الشخصية إحدى هذه الزوايا المهمة، ومنها..

الوثائق المعربة.. طيلة ربع قرن من تواجدي في الجامعة، سعيت بكل مالدي أن أترجم الوثائق الإدارية إلى اللغة العربية، وأقدم أخرى باللغة العربية. وقد نجحت بعض الشيء. وأشهد الله أن نسبة كبيرة من أساتذة الجامعة عارضوني ورفضوا أن أقدم الوثائق باللغة العربية، رغم أني أقدمها بثوب أحسن بكثير من الأصل الفرنسي السيئ الشكل.

بعض المتعلمين وبعض المتدينين، هم الذين يرفضون التعلم باللغة العربية وتعريب الإدارة الجزائرية. وهذه مصيبة أبتلينا بها.

اللغة العربية روح وجسد.. أعرف بعض الأساتذة المعربين يكتبون باللغة الفرنسية، تملقا للمسؤول وحتى لا يقال عنه متطرف.

وأعرف أساتذة متدينين يكتبون باللغة الفرنسية عمدا، حتى لا يقال عنهم إرهابي.

وأعرف أساتذة بلغوا الكمال الشري في إتقان اللغة الفرنسية من حيث سلامة النطق وروعة الكتابة. يتحدثون بلغة عربية سليمة نقية لا يحسنها خريج معهد الأدب. وقد أفردت لهم مقالات حين يستدعي الموضوع. وإذا سألتهم أجابوك..

اللغة الفرنسية عندنا لكسب القوت، واللغة العربية روح ودين وتاريخ، ولا يمكن للمرء أن يتخلى عن جسده وروحه.

صك عربي.. منذ سنوات طوال وأظنني منذ 30 سنة وأنا في مركز البريد، طلب مني شخص لا يحسن القراءة ولا الكتابة، أن أقوم بملء دفتر الصكوك. وفعلا قمت بما يجب على الفور وباللغة العربية.

فاغتاظ الشخص، ومزّق الصك في وجهي، لأني كتبته باللغة العربية، وراح يطلب ممن يكتبه باللغة الفرنسية.

عربية الجيلالي البودالي.. مما أحفظه عن العالم الفقيه المفسر اللغوي الجيلالي البودالي، وهو من علماء جمعية العلماء الجزائريين، ومن بين الثلاثة الذين كان يثق فيهم الإمام ابن باديس ليكتبوا المقالات  رحمة الله عليهم جميعا، في درس من دروس الجمعة في السنوات الأولى من زلزال 10 أكتوبر 1980، قوله..

مصطفى الأشرف هو الذي قضى على التعليم الديني في الجزائر بجرة قلم. وفعلا في سنة 1978، تم إلغاء التعليم الديني بالمعهد المعروف الآن بثانوية بوعيسي بالأصنام سابقا والشلف حاليا، ودخول أول دفعة بالتعليم المدني يومها.

وقال عنه الإمام يومها.. مصطفى الأشرف كان من أشد أعداء الدين واللغة العربية.

وأنقل هذه المعلومة، لأني درست السنة الأولى متوسط سنة 1977-1978، وعمر الطفل يومها 12 سنة. وكنا نحن أول دفعة بالمعهد سابقا التي لا تخضع للتعليم الديني، حيث تم في تلك السنة إلغاء التعليم الأصلي. طبعا لم نكن على علم إلا  بعد ما ذكر الإمام أسباب إلغاء التعليم الأصلي في الجزائر، ومن كان يحمل معول الهدم، وهو مصطفى الأشر، كما ذكر الإمام البودالي.