معظم المتابعين للشأن العراقي يستغربون كثيرا هذه الانتقائية المرتفعة جدا في ذهنية النخب الاوروبية والاعلام الاوروبي فيما يتعلق بفهم المتغيرات السياسية والامنية في العراق، ورغم ان جزءا منها متاتي دون شك من مزاجية بعض النخب الغربية تجاه ما يحصل في الشرق الاوسط عموما، ومحاولة توظيف ذلك توظيفا سياسيا بالدرجة الاولى الا انه من الاجحاف نكران محاولات التشويه المتعمد من قبل العديد من مراسلي وسائل الاعلام الاجنبية في العراق، سيما وان الكثير من وسائل الاعلام في اوروبا تعتمد في اخبارها عن العراق على وسائل الاعلام ووكالات الانباء العالمية المعروفة، مثل رويتر، وكالة الانباء الفرنسية، البي بي سي، سي ان ان وغيرها. نعم هناك صورة مأساوية وكارثية للوضع العراقي ولكن الموضة السائدة هي نقل كل ما يحدث في اطارين الاول: دائما وابدا اظهار سقف مبالغ فيه من السوء والبؤس، والثاني: نقل الوقائع بطريقة مغايرة تماما لما يحصل. ويكفي المتغيرات الاخيرة التي حصلت في العراق دليلا على سقوط الاقنعة عن العديد من مراسلي وسائل الاعلام الاجنبية في العراق، حيث كانوا ينقلون الامنيات وليس الواقع، وكأنهم يلوحون بأيديهم لداعش، وهناك مراسلون ينقلون التقارير بطريقة مثيرة للشفقة، الملفت ان ذلك تحول الى موضة سائدة تتحدث بشراهة عن اخطاء الدولة العراقية وتخوين الجميع، ان ذلك التراكم الاعلامي ساهم كثيرا في ترسيخ صورة نمطية عن العراق في ذهنية النخب الامريكية والاوروبية بشكل عام. هناك من يعتقد بأن القرار في الولايات المتحدة الامريكية يتخذ من قبل مراكز القرار وليس للجمهور او حتى النخبة دور اساسي فيه، ومع صحة هذا التوجه الى حد ما، لكن توجهات النخب، وجهات نظرها، تسليطها الضوء على حدث بعينة من زاوية بعينها يشكّل عامل ضغط عفوي يؤثر الى حد كبير في مزاج صاحب القرار، اضف لذلك ان آلية اتخاذ القرار مختلفة الى حد ما في اوروبا عنها في امريكا. ان النخب الاوروبية، مراكز الدراسات وبعض وسائل الاعلام الجادة تساهم مساهمة كبيرة جدا في صناعة القرار وتوجيه الرأي العام، الحكومات هناك لا تجرؤ كثيرا على ازعاج جماعات الضغط في معظم الاحيان. ومع عجز البعثات الدبلوماسية العراقية عن اداء مهمتها، وتقصيرها الواضح والمتعمد احيانا في محاولة تحسين الصورة وتوضيحها قدر المستطاع، فان الرهان بالدرجة الاولى سيكون على دور الكوادر العراقية في داخل العراق وخارجه فيما يتعلق بموازنة الكفة، وايضاح الصورة المرتبكة كثيرا وغير الواضحة عن العراق في الاعلام الغربي، لا ادعو هنا لعكس صورة مغايرة لما يحدث بل ادعي ان ما ينقل عن العراق عادة في الاعلام الغربي عادة ما يكون اسوأ بكثير مما يحدث على الارض، وهذه قضية ذات مردودات سلبية كبيرة جدا على الدولة العراقية بالأساس.
|