جذور التواجد الايراني التركي ح٤..
جاءت اتفاقية سايكس بيكو في عام ١٩١٦ وبتخطيط بين فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية وتم الكشف عنها من خلال مراسلات وكتب ووثائق وزارة الخارجية البريطانية والفرنسية بعد الثورة البلشفية عام ١٩١٧..
كان البريطانيين بأمس الحاجة لحلفاء من الدول العربية التي كانت تحت الحكم العثماني لتثبيت وجودها في المناطق التي تقع تحت سيطرتها وبالذات بعد فشل حملتها العسكرية في العراق وفشلها في السيطرة على المضايق التركية وادى هذا التدهور الى توجيه فكرة الانكليز للتعاون مع العرب واعتبار التفاوض امر حيوي للسيطرة وتوسيع النفوذ من خلال استمالة الشريف حسين حاكم الحجاز وبدأت بيتهم مراسلات استمرت لاكثر من سنة ونصف تمخض عنها تحريض العرب للقيام بثورة ضد الاتراك في مناطق نفوذهم مستغلةَ الشخصية العربية التي تتميز بحب السلطة والنفوذ والجاه ورغبت الشريف حسين بإقامة دولة تشمل العراق والاردن والحجاز يتولى حكمها فيما بعد وبالتالي يكون استقطاع فلسطين تحصيل حاصل جغرافي بناء على توزيع السلطة والنفوذ.
هنا نعود لقضية محورية اساسية وهي طبيعة الشخصية العربية وسطحيتها في التفاوض الطويل الامد على حساب شعوبها ومقدراتها من خلال اعطاء الاولوية في التفاوض من اجل الحفاظ على البقاء لأطول فترة ممكنة والاذعان للطرف الاخر واعتباره حليف شخصي للحاكم على حساب الوطن.
لهذا كانت الدولة العربية الحديثة على استمرار تاريخها منذ اعلان الانفصال وتأسيس اوطان ذات سيادة وطنية محط ثورات ونزاعات دموية وصراعات داخلية مع شعوبها لأنها حكومات فاقدة لشرعيتها او قدرتها على ادارة برامج تنمية شعوبها واستثمار موارد بلادها الطبيعية من حيث طبيعتها الدكتاتورية وفقدانها للغة الحوار واعتمادها على القسوة والعنف في كافة دعايتها وتوجهاتها الداخلية والخارجية.
الواضح من خلال السلسلة الزمنية للأحداث ان التوجه الغربي نحو تفتيت الدولة العثمانية سبقه احتلالات كبيرة لأجزاء واسعه من اراضي بلاد فارس في نهاية القرن التاسع العشر واوائل القرن العشرين ادت الى استقطاعات جغرافية واسعة قلصت من نفوذ الدولة القاجارية وادت الى خلق نظام ملكي بقيادة رضا بهلوي عام ١٩٢٥.
دام التنافس البريطاني الروسي في بلاد فارس حوالي قرنا من الزمن وكان يمثل حلقة تنافس واسعة من مظاهر التنافس بين الامبراطوريات العظيمة في الاراضي الاسيوية وان جوهر التنافس هو صراع المكاسب التجارية في منطقتي ايران وجنوب القوقاز ومحاولة تغيير كفة الميزان التجاري في السوق الاسيوية حينها من حيث ان السلع الروسية كانت تقصد ايران كطريق رئيسي لمرور سلعها التجارية واعتبارها رئة روسيا على العالم من خلال طريقين يمر الاول ممن تبريز والاخر من جنوب القوقاز غير ان منافسة الانكليز الحقت ضررا شديدا بالتجارة الروسية لاستخدامهم عدت طرق في نقل البضائع اضافة الى الطرق القديمة وبدون رسوم جمركية.
ان هذا الصراع في المجال التجاري عزز الخلافات بين الجنبين الانجليزي - الروسي في المجال السياسي ودفع الى صراعات عسكرية وتحالفات دولية بين فرنسا وايران في فترة ومع تركيا وايران في فترة اخرى..
ان بلاد فارس والدولة العثمانية على الرغم من كونهم قوى اقليمية مؤثرة في منطقة الشرق الاوسط واواسط اسيا الا انها كانت اضعف من ان تكون قوى عظمى عالمية لهذا تجد بين فترة واخرى نشوب صراعات واحتلال ومؤامرات ومكائد بين الدولة الكبرى والاقليمية .
في كل هذا المشهد المتحرك والفعاليات السياسية والتجارية والاستراتيجيات العسكرية في الاحتلال والسيطرة وعقد الاتفاقيات التجارية والسياسية كانت الدولة العثمانية هي الممثل الوحيد والشرعي للشعوب العربية المسلمة والغير مسلمة.
لهذا كانت اتفاقية سايكس بيكو جزء مهم ونقلة تاريخية قصمت ظهر الوجود التركي والهوية المسلمة في المنطقة العربية وبما ان ايران لم يكن عمق كبير في الوطن العربي باستثناء مناطق المزارات الشيعية في العراق لهذا لم تدرج ضمن المخطط الاستعماري في عام ١٩١٦.
ايران خضعت لمخططات تقييم واستقطاع كبيرة قبل الوطن العربي في مناطق نفوذها المشتركة باللغة والعرق والتنوع الديمغرافي ولأنها ذات حضارة ممتدة لقرون عديدة كانت محط اطماع عالمية كبيرة من قبل الروس والمستعمرين البريطانيين والفرنسيين على ايس تجارية واقتصادية اساسا.
الملفت للقارئ والمتابع ان نهاية الدولة العثمانية في اسطنبول توافق مع انتهاء فترة الحكم القاجاري في ايران وتولي الشاه رضا بهلوي ونشوء الدول الوطنية في الوطن العربي وظهور جغرافيات مقسمة تحمل نفس الهوية الدينية والعرقية واللغة من اجل اضعاف سلطات هاتين القوتين الاقليميتين وانشاء جغرافية سياسية جديدة تكون اقل كلفة من ناحية السيطرة والنفوذ وتفرض عليها سلطات المستعمر تحت عناوين معاهدات وانتداب وحكم طوارئ للتصرف بها كيفما تشاء فيما بعد.
نتوصل من خلال القراءة للواقع التاريخي والسياسي لإيران وتركيا ان تلكم الدولتين وفقا للخارطة الجغرافية القديمة كانت تمثل الثقل التجاري والحضاري والثقافي والسياسي في قلب العالم وانصبت اطماع الامبراطوريات التوسعية البريطانية والروسية لقضم وتفتيت التأثير الاجتماعي والتجاري من خلال الحروب والمكائد والمؤامرات وتشجيع قيام الثورات تحت مسميات متعددة (_مذهبية/عرقية/لغة/دينية...الخ) كما حصل في تفتيت الدولة العثمانية ساعدها في هذا طبيعة الشخصية البدوية الصحراوية القاسية التي تبحث عن السلطة والنفوذ والسيطرة وحب التملك .
 ان علاقات التنافس والتحالف بين القوى العظمى على الاراضي الاسيوية من بلاد فارس والدولة العثمانية اضافة الى الصراع بين القوتين انفا ادى الى ظهور مناطق اقليات وبروز مجموعات عرقية نتيجة لسياسة الشد والارخاء في التعامل مع الشعوب على اساس العرق والطائفة او اللغة وكانت نتيجة ذلك استقلال الاكراد وتوزعهم بين اربع دول في المنطقة او التركمان في العراق والتبعيات الفارسية في الخليج والعراق اضافة لذلك التدخلات الخارجية في رسم سياسة معزولة لتلك الاقليات من خلال دعم طرف على طرف اخر.
وبناء على ما تقدم فان سياسة الفرس والاتراك لن تتغير في المنطقة وتخضع لتوازنات كبيرة مع القوى الكبر او فيما بينها تارة تميل الى التوافق واخرى الى التنافس ومرة مع الروس واخرى مع الغرب  وتراهن على الدين والمذهب في استمرار تواجدها ودفع الضرر الاقتصادي والسياسي عن شعوبها لأنها في صراع وحرب وجود.