مدخل ========== ان جهاز الاستخبارات هو جهاز منتج وانتاجه هي المعلومات الموثقة الدقيقة المحللة والمشفوعة بالاستنتاجات والاقتراحات وتقييم المخاطر , الامر الذي يتيح لصانع القرار اتخاذ قراراته . فجهاز الاستخبارات الناجح هو الذي يستقي المعلومات ويوثقها ويشبعها تدقيقاً , فهو كالمصنع الذي يستقبل المواد الخام (المعلومة) وينتج منها مادة مصنعة (معلومات استخبارية) , ومن ثم فالجهاز لايوزع او يرفع كل مايصله , ويقال ان الاستخبارات الناجحة هي التي تجهز للتوزيع 35% مما يصلها من معلومات . اما الجهاز الذي يوزع كل مايصل إليه فهو جهاز فاشل ويفتقد الاذرع وليس لديه مصادر ويعتمد على الاخبار ويسرع لإرسالها. =============== محاذير توزيع المعلومة =============== ان توزيع المعلومات مهمة دقيقة , وعلمية ولا تقل اهمية عن استحصال المعلومات , فعدم توزيع المعلومات بالوقت المناسب وإلى المكان المناسب يسبب ضياع جهود كبيرة يبذلها جهازا الجمع والتحليل والكادر الاداري برمته كما ان التسرع أو التأخير في ارسال المعلومة كلاهما يضر بالعمل الاستخباري , ونظرا لأهمية وسرية جهاز الاستخبارات تكون معلوماته محدودة التداول, وتبقى مؤسسة الاستخبارات هي صاحبة القرار الفيصل والأهم وهي صاحبة الاجابة عن ( لماذا وأين ومتى وكيف). وعلى المؤسسة الاستخبارية ان تكون حذره عند انتاج المعلومة لكي لا يتعرف أحد إلى أصلها أو منشئها, فالمعلومات بضاعة ثمينة ومهمة فهي محدودة ويجب أن تذهب إلى جهات محددة ومُعرّفة وبلا لبس. ان من اهم المشاكل التي كانت تقع بها الاجهزة الاستخبارية هي في كيفية المحافظة على سرية المعلومات الموزعة وان لاتكون قابلة للتسرب ,لذا تمتنع الاجهزة المحترفة عن توثيق اية معلومات من خلال المخاطبات الرسمية فلايتم في الاجهزة الاستخبارية المتقدمة ارسال معلومة بخطاب رسمي موقع ومختوم ومرقم من جهاز الاستخبارات, (كما هو حاصل عندنا للاسف), بل يتم اعتماد نموذج للمعلومات قد يختلف بمقدار الجهات التي ترسل لها الاستخبارات معلوماتها.فمثلا الاستخبارات تخاطب ستة جهات فهي قد تعتمد نموذج واحد أو ستة نماذج من الورق الذي ترسل به المعلومة وتضع رموز على النموذج ومجموعة ارقام يتبين من خلالها من أين هذه المعلومات , ويجب ان تكون بلا ختم أو توقيع , فعند فقدانها أو سرقتها أو تسربها تكون ورقة غير مسندة بتوقيع أو ختم , اي انها ستصبح غير معلومة المرجع. وتعتمد الاستخبارات نفس الأسلوب داخل مؤسساتها فهي تمنع التوقيع على اية معلومة من قبل المديريات و الشُعب لأنه بمجرد تحولها إلى كتاب رسمي أصبحت وثيقة , وحينها يجب الحفاظ عليها والخوف من سرقتها , اما اذا كانت في نموذج مخاطبات خاص بالمعلومات فسيتوجب الحفاظ عليها ولكن لا قيمة لها إذا وقعت بيد العدو. ونلاحظ حتى في وثائق ويكليكس لاتوجد كتب رسمية موقعة بالنسبة للأمريكان , لأنهم يتعاملون بالرسائل والخطابات غير الموقعة , لكن تلاحظ الكثير من المكاتبات الاستخبارية الرسمية الموقعة من الدول العربية. ان أمن المعلومات يفرض محدودية تداولها ودقة وتوقيت توزيعها ولمن توزع وكيف , والكيف منها يجعل الاستخبارات تمتنع عن التوثيق الرسمي بالكتب الرسمية. كما لا تتعامل الاستخبارات المحترفة في نشر معلومات وتوزيعها بشكل مقاطع واخبار وانما بشكل ملفات مع تقييم الجهاز ووجهة نظره وتذهب الى الجهة المحددة. ولا تشمل حالة التوزيع الأسلوب المعتاد في المكاتبات الرسمية بنسخة منه إلى كذا وكذا وتوزيع لعدة جهات وانما لجهة واحدة فقط , فالاستخبارات تتجنب اي توزيع عام للمعلومات والملفات . ==================== طرق وأساليب توزيع المعلومات ==================== في الغالب تحتفظ الاجهزة الاستخبارية بمصادرها ولا يتم تبادل أو استبدال المصادر بين الاجهزة حفاظاً على السرية وأمان العمل الاستخباري ولكن يتم التعاون وتبادل المعلومات. وتقسم محاور التوزيع (علمياً) إلى تسعة محاور , وقد تضيف بعض الأجهزة محاور أخرى لكن الذي نذكره هو الأعمّ المشهور في توزيع المعلومات, ومحاور التوزيع هي : 1- توزيع راسي أو قيادي : وهو خلاصة المعلومات التي تذهب إلى القائد العام أو رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي أو إلى رئيس الوزراء في النظام السياسي في العراق بالنسبة لجهاز المخابرات ويعتبر وزيرا الدفاع والداخلية هم القيادة لأجهزة استخبارات الدفاع والداخلية. والخلاصة هنا عبارة عن خلاصات وزبدة المعلومات التي يحتاجها القائد أو آخر المواقف عن موضوع ما وتسمى خلاصة استخبارية , طبعاً مع وجهات نظر واستشارات ومقترحات وخيارات من قبل الاستخبارات. 2- توزيع قضائي : أو توزيع بعد التهديف أو لغرض المكافحة , وهو ملف مكتمل استخبارياً وجاهز للتنفيذ ويرسل للجهة المكافحة المختصة, مثلا مجموعة إرهابية في احد المحافظات يتم كشفها واستكمال خطوطها فيصبح الهدف جاهزا وعليه يقوم الجهاز بإرساله إلى الجهه المكافحة المعنية بالمعالجة . 3- توزيع معالج أو توزيع ميداني : وهو غالبا ما يكون من جامع المعلومات المباشر إلى الجهات المعالجة والمكافحة بشكل عاجل , وتكثر هذه الطريقة في الاستخبارات العسكرية والجبهة , مثلا ضابط راصد متقدم في عمق الجبهة يرسل احداثيات إلى المدفعية أو الطائرات المسيرة أو دوريات الاستطلاع في الميدان , اوعندما يشاهد شخص يزرع عبوة ناسفة فيتم فورا إخبار القوات المعنية بالأمر وبشكل مباشر . 4- توزيع مرجعي : عندما تحصل الاستخبارات على معلومات تخص ملفات غير ملفاتها وتخص جهاز استخباري آخر داخل البلد يتم ارسال تلك المعلومات إلى الجهة المختصة استخباريا الى صاحبة الشأن. ملحوظة : بهذا المحور تتعاون الاجهزة الاستخبارية في مابينها , فكما قلنا سابقاً ونؤكد : ان الاستخبارات لا تتبادل المصادر بل تتبادل المعلومات وهذا المحور من اهم واجبات إدارة المجتمع الاستخباري وأولوياته. 5- توزيع دوري : وهو أحد أبرز مخرجات جهاز الاستخبارات , حيث يقوم بإصدار ملزمة أو ملف أسبوعي أو شهري أو فصلي عن نشاط العدو ويوزع (حسب الاتفاق مع القائد العام أو الوزير المعني) إلى مراكز دراسات أو قيادات البلد أو قادة الأجهزة الامنية حسب الضرورة والحاجة , لإبقائهم على اطلاع دائم , ويراعى فيه الحديث عن نشاط العدو العام فقط دون تفاصيل, وفي حالة الاستخبارات العسكرية يتم ذلك بشكل دوري مع إضافة تقرير يسمى الموقف العام للعدو وهو من إصدارات الاستخبارات العسكرية. 6- توزيع تبادلي : وهو مايتم تبادله من معلومات مع الدول الصديقة أو المتحالفة أو غرف العمليات المشتركة بين جيوش الدول , وفق بروتوكولات بين البلدان المتعاونة في مواضيع محددة في المجال الأمني والعسكري والاستخباري , ويكون أحد أبرز أوجهه هو تبادل المعلومات حول عدو مشترك أو تهديد محتمل أو عصابة عابرة للحدود أو مطلوبين أمنياً أو معلومات استخبارية مختلفة في قضايا مورد اهتمام مشترك . 7- توزيع خاص أو محلي أو مقطعي : وهو أن يحصل فرع الاستخبارات في البصرة مثلا على معلومات تخص حكومة البصرة أو شرطتها أو قضية تخل بأمن الدولة في المحافظة فيتم تزويد السلطات المحلية بها مع إشعار المركز , او ان تحصل الاستخبارات على معلومات تخص إحدى الوزارات فترسل إليها مايفيدها من معلومات , وهو توزيع مختلف من قضية إلى أخرى في قضايا لاتكون من اختصاص الجهاز الاستخباري الحاصل عليها. 8- توزيع إعلامي : تتقصد الاستخبارات (لاغراض الحرب النفسية) أن تسرب بعض المعلومات ( صحيحه , مغلوطة , مفبركة) عن نقاط قوة وضعف العدو ويكون البعض منها لغرض اختبار ردود أفعال العدو , وغالبا مايتصور الإعلام انه حصل على المعلومة من مصادره ولا يعلم بأن الاستخبارات هي تريد تسريبها. 9- توزيع الملحق : أو ما يعرف عسكرياً بالملحق الاستخباري فعندما تقرر القيادة العسكرية تنفيذ عمليات في قاطع أو جبهة أو منطقه معينة يتم إعداد الخطة العسكرية وتقدير الموقف العام,ويتم التفصيل من قبل العمليات وشرح جغرافيا الأرض والمعوقات والمقتربات وتوزيع المهام وخطوط الإمداد وتوزيع الواجبات وشرح الوظائف وتحديد ساعة الصفر . ويتم ذكر تشكيلات العدوا وقطعاته وانتشاره وأنواع الاسلحة ونقاط القوة والضعف وخطوط الالتحام و الاتصالات وكل تفاصيل المعركة ويعرف هذا الملف ب ( تقدير الموقف ) والعمليات ولكن يضاف له الملحق الاستخباري في نهاية تقدير الموقف وفي الساعات الأخيرة خوفا من أية متغيرات سريعة للعدو. ولهذا لايكون ضمن تفاصيل الخطة بل ملحقاً بها ويأخذ هذه التسمية ويعد من قبل الاستخبارات العسكرية ويمكن أن تطلب التعاون من باقي اجهزة الاستخبارات. ان التطبيق العلمي والصحيح للتوزيع يطور ويسرع العمل الاستخباري ويحقق النتائج بشكل أفضل وأحسن , فالتوزيع هو الباب الوحيد الرسمي وغير السري مع شروط أمن المعلومات والبوابة الوحيدة التي تربط الجهاز بباقي اذرع ومؤسسات الحكومة ,اما الاجهزة المفلسة استخبارياً فتذهب إلى التوزيع العشوائي والإكثار من المراسلات والمخاطبات لسد عيوب فقدان المعلومة ان الذي يُوَزَّع هو ليس كل ما يُستَحصل , فهناك دوماً معلومات تحتاج الى استكمال اوتدقيق اوفتح ملفات جديدة كما ان هنالك معلومات بحاجة إلى استكمال دورة الاستخبارات عليها. ============= المكاتبات الداخلية ============= اما المخاطبات ضمن الجهاز الواحد فيكون بنقل المعلومات من المصدر إلى ضابط الارتباط ومن ثم إلى المحطة ومن ثم إلى شبكة الجمع وبعدها إلى مركز الجمع وتنقل المعلومة إلى التحليل . والحقيقة انه ليس توزيعا بالمعنى الدقيق , فالتوزيع يعتبر من مخرجات الجهاز وانتاجه , اما الداخلي فهو دورة المعلومات لصناعتها . ============== خطط انتاج المعلومة ============== ان الاجهزة المحترفة لديها إحصائيات عن حجم المعلومات المستحصلة في الساعة واليوم والاسبوع والشهر والسنة , وهناك خطط سنوية وثلاثية وخمسية لبناء واستحصال معلومات واستكمالها , وهي تقيس مستوى المعلومات في ملفاتها , فمثلا تقول هذا الملف فيه 20% معلومات ويجب أن نحصل على مستوى 50% خلال سنة فتركز عليه , وملف آخر مستحصل منه 80% فتخطط لاستكماله مع اعطاء الاولوية للملفات التي تعوزها معلومات اكثر. ان وجود الخطط السنوية وغيرها تبين مدى عمل الجهاز ونشاطه او تعثره , ومن ثم يسهل على الدولة تقييم اجهزتها بشكل علمي . ========== اخطاء مروّعة ========== ان من أخطاء اجهزتنا الاستخبارية انها توزع إلى الرأس أو ما أطلقنا عليه التوزيع الرأسي , لانها مهمومة لابعاد تهمة الفشل عنها ,فتسعى الى ارضاء القائد وخداعه في ذات الوقت. كما ان اجهزتنا متخلفة ادارياً وامنياً فتراها حين تعطي المعلومة لجهة ما تعطي نسخ لعدة جهات اخرى , وهذا اهدار لأمن المعلومات, فعندما نخاطب اكثر من جهة سوف لا ندري من سربها ولانتمكن من محاسبته . كما تمتاز الكثير من معلومات اجهزتنا الاستخبارية بالعمومية وعدم الدقة مما يشوش الجهات الامنية ولاينفعها كمعلومة (حسب مصادرنا , تنوي داعش تفجير عجلات مفخخة في بغداد خلال الأسبوع القادم)!!!!. ان صاحب هذه المعلومة يجب أن يقدم إلى محكمة عسكرية, لأنها ليست معلومة وانما هي عبارة عن حرب نفسية مرهقة للقوات الأمنية , وقد تعودت اجهزتنا الاستخبارية أن ترفع مثل هذه الأخبار الكاذبة العامة لاسقاط الفرض والادعاء أمام الآخرين بأنها تعمل , لان تلك المعلومات هي كل ماتملكها اجهزتنا الاستخبارية للاسف. بل وصل التردي أن تقوم دوائر الاستخبارات لدينا بتوزيع نشرة أسبوعية عن الحوادث بعد حصولها مثلا ( كذا اغتيال في بغداد وكذا عبوة ناسفة للشهر كذا) , متناسين بأن إحصاء الحوادث هو واجب الشرطة وليس الاستخبارات , فعلى الاستخبارات أن تخبر قبل وقوع هذه الحوادث لا بعد وقوعها. ======= خلاصة ======= توزيع المعلومة حرص امني وفن اداري , وهو الحاصل النهائي للعمل الاستخباري , ويتطلب التوزيع حذقاً ودقة لان الخلاصة الاستخبارية هي ابرز العوامل التي تبنى وفقها القرارات الاستراتيجية , فمن المعيب ان تكون معلومات عائمة دون تحليل وتدقيق عميقين . والله الموفق
|