منذ قيام الثورة في إيران ظهرت الطائفة الشيعية على سطح الأحداث السياسية العالمية، وعرف كل من لم يكن يعرف من قبل أن هناك مذهبا إسلاميا اسمه التشيع لآل البيت، مما دفع بعض المثقفين والأكاديميين العرب للقراءة عن هذا المذهب ومحاولة معرفته من الداخل، لا من خلال ما يقول عنه خصومه في العقيدة أو المذهب.
وقد نتج عن هذا التحول في نظرة المثقف العربي وانفتاحه على المذهب الشيعي أن تحول عدد من المثقفين العرب الى مذهب آل البيت، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الدكتور رشيد بن عيسى الخبير السابق في منظمة اليونسكو، والدكتور التيجاني السماوي، والدكتور عصام العماد، ومفتي الجيش المصري حسن شحاذة وغيرهم، وخُففت النظرة الحادة عن المذهب عند آخرين كالدكتور سهيل زكار، والشيخ حسن فرحان المالكي وغيرهم.
وقد أثار هذا التحول العقائدي رغم محدوديته موجة من الهستريا في الأوساط الوهابية والأوساط السنية المتشددة، وقد أعطي هذا التحول في نظرة بعض المثقفين السنة عن مذهب الشيعة في وسائل الإعلام الحكومية العربية وفي الندوات الفكرية والثقافية التي يعقدها المنغلقون فكريا، عناوين سياسية كعنوان تصدير الثورة الإيرانية، وعنوان تغذية الإرهاب، وعنوان الأصولية الإسلامية والراديكالية، والتمدد الإيراني على حساب الدول العربية وغير ذلك من العناوين التي يقصد بها تسطيح فكر القارئ العربي، وتجييش القواعد الشعبية العربية والإسلامية ضد شيعة آل البيت، ولكن الحقيقة أن هذا اللغط الإعلامي وحرب المصطلحات كان يخفي خلفه قلقا عقائديا من انهيار المنظومة العقائدي لدى المدرسة السنية؛ لعلمها بضعف قدرتها على أقامة أدلة مقنعة للجمهور على صحة البنية العقائدية في مدرسة الخلفاء.
ومع انهيار النظام العفلقي وإنشاء العديد من القنوات الفضائية الشيعية العراقية، بدأ التشيع ينتشر بسرعة فائقة في الأوساط السنية عموما، وراح الخطاب العقائدي الشيعي يدخل كل البيوت عبر شاشات التلفاز، وبالرغم من تذبذب مستوى الطرح الفكري في هذه القنوات، ونجاحها مرة وإخفاقها في إظهار الصور الحقيقة لمذهب آل البيت، إلا أن هذا الانفتاح الإعلامي في حد ذاته فتح ذهنية المواطن العربي، ودفعه الفضول للتعرف على المذهب ومكوناته العقدية، وشعرت الوهابية والمتطرفون أن الخطر داهم ويتهددهم، فلو ترك الحال على ما هو عليه من دون تدخل الحكومات العربية، والنخبة المنغلقة في مدرسة الخلفاء لربما وجدنا بعد عشر سنوات أو عشرين سنة أن غالبية العرب قد تحولوا الى مذهب آل البيت.
وأجراس الخطر التي دقت عند المذاهب الأخرى ظهرت معالمها واضحة من خلال إنشاء العديد من القنوات الفضائية التي ليس لها شغل سوى تزييف الحقائق، والتهريج على الشيعة، وكيل التهم لهم وترويج الأكاذيب عنهم كقناة صفا وقناة الحافظ وقناة وصال وغيرها من القنوات الفضائية، كما اعتمدوا على برامجيات معدة أساسا لتضليل المتلقي، كبرامج الجدال والحواريات حيث انتقوا عادة شخصيات ضعيفة من المذهب الشيعي للحوار، بل ورغم ذلك التهريج عليها أثناء الكلام، واعتماد أسلوب المغالطات المنطقية في الطرح الى غير ذلك مما لا يسعنا ذكره هنا.
وفي إزاء ذلك شنت حرب إعلامية شعواء على الحكومتين العراقية والإيرانية ثم أدرجت الحكومة السورية على القائمة لأنها حكومات شيعية، ونعتت بعشرات النعوت المقززة كالحكومة الصفوية، والطائفية .....
وعلى مستوى ثالث أدخل تنظيم القاعدة في العراق، وتم دعمه بالأموال والسلاح والخطط للقيام بأعمال إرهابية عشوائية خصوصا على الأهداف المدنية، القصد منها قتل أكبر عدد ممكن من المواطنين، للتأثير على العملية السياسية في العراق وإرباكها وإحراج الحكومة أمام الشعب من جهة، ولتخويف الشعب من سطوة الطائفيين من جهة أخرى.
لكن كل هذه المحاولات فشلت في إيقاف المد الشيعي وتغلغل الفكر والعقيدة الشيعية في أوساط أبناء السنة، فلم يبق إلا السلاح الأخير بيد المملكة السعودية والمغردين في سربها، وهو الهروب الى الأمام بإشعال حروب طائفية في سوريا والعراق والباكستان وإيران، لتحقيق غايات عديدة منها:
1_إشعال حرب إسلامية إسلامية لتخفيف الاحتقان في الشارع العربي الناقم على حكوماته المتحالفة مع الغرب والكيان الصهيوني، فهي محاولة للتنفيس عن الشعوب العربية التي ضاقت ذرعا بهؤلاء الحكام المأجورين.
2_محاولة هروب الى الأمام فإن الدول الخليجية والأردن يشعرون أن خطى التغيير قادمة في بلدانهم لا محالة، وعليهم إقناع شعوبهم بوجود خطر خارجي يتهدد مذهبهم وعقيدتهم وهو الخطر الشيعي، وبذلك يتم لهم تجميد الحراك الشعبي ضد هذه الحكومات الى أجل غير مسمى.
3_التخلص من العناصر المتحمسة والمتطرفة فكريا أو سلوكيا، بتشجيعها على خوض حرب مقدسة مع الشيعة بحسب تخطيط مهندسي الفتن، وإبعاد خطر هذه العناصر الذي يتهدد دول الخليج وغيرها من الدول العربية، انطلاقا من مبدأ انتقم به وانتقم منه.
آمل أن يعي من يحملون السلاح في العراق وسوريا أن إدخالهم في حروب طائفية هو في الحقيقة مؤامرة عليهم قبل أن تكون مؤامرة على خصومهم.