وزير كفوء.. لا يكفي

الوزراء الجدد من أهل الاختصاص، وربما من غير الحزبيين، لكن هذا لا يعني ان كلا منهم لا يحظى بدعم احد الاحزاب، من اجل ارضائها، بعدما تعودت ان تكون لها حصة من الكعكة. هذا يعني ان الهاجس لا يزال موجوداً من ان تمارس هذه الاحزاب ضغطها على الوزراء الجدد ليكونوا غطاء لاستحواذها على هذه الوزارات. هنا يكون الوزير التكنوقراط كسلفه السياسي.
حتى الآن، يعد تعيين الوزراء الاختصاص، خطوة مهمة على صعيد الاصلاح الحكومي، لكنها لن تكون كافية وحدها، ففي ظل هيمنة الفساد والترهل والاستزلام والاستقواء بهذه الجهة او تلك، لن يكون بامكان الوزير الكفوء فعل شيء دون اصلاحات اخرى توفر له أدوات العمل الصالحة والبيئة المناسبة للانجاز. يحتاج الامر الى اخراج الوكلاء والمدراء العامين ايضا من دائرة المحاصصة، على الاقل المباشرة منها، والتركيز على ان يكونوا من اهل الاختصاص، فهؤلاء اكثر ديمومة في مواقعهم من الوزراء انفسهم، وهؤلاء هم الذين يتعاطون عمليا مع شؤون الوزارة اليومية.
استمرار الاصلاح يتطلب اعادة النظر في كثير من القوانين والتعليمات والاعمامات التي تعيق الانجاز اما لتناقضها مع بعضها البعض او لقدمها وعدم تناسبها مع حاجة البلاد الى الانجاز السريع اليوم. كثير منها يعاني من الغموض او امكانية التفسير بعدة اوجه تصل الى حد التناقض. ولأن الرقابة عندنا، بأجهزتها المختلفة، تحاسب على الالتزام بالنصوص بل اعتماد تحقق النتيجة المرجوة، فان المدير والمسؤول يلجأ الى التفسيرات المتشددة للقانون والتعليمات حتى لو اعاقت العمل، من اجل تجنب المشاكل مع الاجهزة الرقابية. يكفيه انه لم يخالف القانون ولا يهم ان كان حقق الانجاز المطلوب ام لا. واذا كان هذا الامر يخص الموظف والمسؤول النزيه، فان الامر يحتاج الى اصلاحات اخرى تخص المتلاعبين بالمال العام والمعرقلين للانجاز بقصد التخريب او الابتزاز.
لا يعني هذا المستويات العليا وحسب، بل نزولا الى ادنى المستويات، فكم من مشروع استثماري نافع للبلاد عرقله موظفون صغار لأنهم لم يجنوا منه «فائدة» مباشرة؟. وكم مريضا حرم من علاج مجاني في مستشفى اراد انشاءه اطباء عائدون الى البلاد، بسبب اعاقة موظفين لم يحصلوا على الرشوة منه؟. وكم من مستثمر اجنبي، شركة كان أم فرداً، عاد من حيث اتى بعدما اصطدم بطلبات رشاوى كبيرة لمسؤولين كبار ولكن عبر موظفين وسطاء، حتى باتوا يسخرون من كل دعوة يطلقها العراق للاستثمار فيه؟. وكم من مسؤول معدوم الضمير سرق قوت الناس او رواتب المشمولين بالرعاية الاجتماعية؟. كل هذا حدث واكثر منه، لكن قلما سمعنا ان عقوبة صارمة طالت هؤلاء. احد الوزراء شكته الى رئيس الوزراء شركات الاتصالات لأنه اراد ابتزازها، لكنه ظل في مكانه حتى الغيت الوزارة فعاد الى البرلمان باحثاً عن فرصة جديدى للابتزاز عبر التهديد بالاستجوابات. ولو كان رئيس الوزراء اتخذ اجراء ضده لقامت الدنيا ولم تقعد.
هذه مفاعيل المحاصصة اللعينة التي ببقائها، وبدون خطوات تكميلية جريئة، سيكون تعيين وزراء تكنوقراط محدود الاثر في الاصلاح.