كان طالبا في معهد الطب الفني بداية السبعينيات، لكنه ترك الدراسة والتحق بالخدمة العسكرية، وبعد ثلاث او اربع سنوات، سرح منها ليتعين في وزارة التخطيط، هو شاب انيق ويحب الفن ويتابع المطربين، ومن هوسه بعبد الحليم حافظ وتقليده لتسريحة شعره، ينادونه اصدقاؤه عبد الحليم، وكان لايخلو من حب يملأ قلبه، سنوات جميلة من عمره قضاها في الوظيفة مع الحرية، لكنها انتحرت ببداية الحرب مع ايران، حيث استدعي الى خدمة الاحتياط، حسن لماذا لاتتزوج؟ اخشى ان اموت وازيد عدد الارامل والايتام، كانت معاناته كبيرة في الحرب ، لكنه تجاوزها من لواء الى لواء آخر في صنف المخابرة وخطورة القتال، وكل اجازة كان يوصيني ويودعني ويقول: لن اعود هذه المرة، بقي بلا زواج، وعند انتهاء الحرب، سرح ثانية، ولكنه احيل على التقاعد باكثر قليلا من 15 سنة خدمة، فكان مرتبه لايكفيه بمفرده، حسن لماذا لاتتزوج؟ المرتب قليل وانا لا املك بيتا، يصبح لدي بيت وعندها اتزوج، مر العمر سريعا وعمل في مختلف الاعمال، لكنه لم يستطع ان يتزوج، فقرر في تسعينيات القرن المنصرم ان يهاجر الى ليبيا للتدريس هناك، لانه اكمل البكلوريوس في اللغة الانكليزية، كل الذي حصل عليه من اربع سنوات غربة لم يكد يحصل به الا على سيارة كيّا حمل وضعها لدى صديق له، واستقر مع اخته في ابعد قطاع من الثورة الرائعة، وكانت عودته بعد سقوط النظام، حيث قفزت الاسعار الى عشرة اضعاف واكثر. راجع دائرته لكي يعود الى الوظيفة وتحقق له الهدف فعاد، ومن هناك تقدم الى طلب لتملك شقة في بسماية ودفع ثمن السيارة كدفعة اولى وراح ينتظر، تمر السنين ويحدودب الظهر والاسباب التي تمنعه من الزواج تزداد يوما بعد آخر، حتى انه في مرة من المرات قارن نفسه بالمسيح، انا مثل المسيح لن اتزوج، الالحاح من الاهل والاصدقاء بدأ يضمحل مع مرور السنين، بدأ الشيب يغزوه، وقواه تنهار، ولم يزل السؤال الذي يزعجه كثيرا ماثلا امامه، لماذا لم تتزوج، فيجيب: عندما يصبح لدي بيت ساتزوج، السؤال بدأ يختفي هو الآخر وفي جلسات العائلة والاصدقاء لم يعد هناك من يسأله: لماذا لم تتزوج، لقد تغير السؤال قليلا: تسلمت شقة بسماية وستغادر البتاويين اخيرا، فيجيب سنة او سنتان وساملك بيتي في الوطن الذي دافعت عنه كثيرا، اختفى سؤال الزواج وحل محله سؤال الشقة، وهو على عادته يبسط الامور ويجيب ساتسلمها ، هذا شيء مؤكد، لقد وصلت الى مراحلها النهائية، شقة بسماية خطفت هي الاخرى سنين كثيرة من عمره، فقد انتظر طويلا، هذه السنة وفي 1/7 بالتحديد احيل على التقاعد لانه بلغ الثالثة والستين من العمر، ولم يتسلم الشقة، لكنه اتصل بي قبل يومين، وقال : لقد اصبح الآن عندي بيت، لقد تسلمت الشقة، لكن للاسف لم يعد هناك احد يسألني السؤال القديم: لماذا لم تتزوج؟، حاولت ان ازيل عن كاهله وانفض عنه غبار السنين، العمر لم يزل في بدايته، ولدي صديق يعيش في اوربا يقول ان الولادة الحقيقية للانسان الاوربي بعد سن التقاعد، لكنه لم يقتنع بما قلت، وبدا مقتنعا انه كبير في السن، وقضية الزواج صارت ثانوية، فهي لاتعني له شيئا حتى بعد ان تسلم شقة بسماية.
|