زواحف بشرية

كلمات كثيرة لها معان عديدة، يفهم بعضها من سياق الكلام، لكن الجديد أن المعنى بات مرتبطا بمكان طرحه، فالحديقة كلمة  لها معنى واضح لا يختلف عليه أثنان، لكنها حين ترد على صفحات الفيس بوك لها معنى يختلف عن خارجه، فان قال أحدهم أنا حديقة على أحدى الصفحات تعني ليس له صاحبة، أو عاطل عن العمل وحين يسال عاطل ماذا تعمل ؟ يكون جوابه : حديقة، أما مفردة الزحف والزاحف التي شاع استخدامها مؤخرا على نطاق واسع على صفحات الفيس بوك فهي تدل على سلوك أو ظاهرة على ظاهرة، وأنا أقرأها للمرة الاولى عادتني بذاكرتي لأيام الخدمة العسكرية، وساحة العرضات لكنني وجدت أن هذا المعنى هو الاخر لا ينطبق على الجمل المتداولة على الفيس بوك، ذهب بتفسيري لمدى أبعد، فمعنى الزحف الشموخ والشجاعة، وفسرتها الاقدام والاندفاع وعدم التقهقر والانهزام، وهذا المعنى لم ينطبق المراد من الزحف على تلك الصفحات، وبعدة البحث والتقصي عرفت أن المراد بالزحف التقليل من قيمة شخص وتشبيهه بفصيلة الزواحف، وما كنت لأعرف هذا المعنى لولا الصدفة التي جمعتني مع أحد الصبية المتعلقين بالفيس بوك، فلقد عرفها لي تعريفا دقيقا ازال كل لبس او غموض كان يعتريني، المعنى يحمل نقدا لاذعا  لحماقات الرجال وتهوّرهم في التودد للنساء بطريقة سمجة تخلو من الذوق وتلبس صاحبها ثوب الذل والمهانة، سلوك يعكس نسق تفكير سطحي، فيتحرك أحدهم اتجاه هدفه بحركة تشبه حركة الاحياء التي تنتمي لفصيلة الزواحف، متخفيا بين دهاليز الابنية متخفيا كما تتخفى الاحياء الزاحفة بين الاحراش وشقوق الارض وتضاريسها، وهذا  ما جعل المعنى التسمية اقرب للعقل، فلم تأت من فراغ،  وتفضح السلوك الوضيع و نسق تفكير الزواحف البشرية.

 

في السنوات الاخيرة ازدادت أعداد الزواحف البشرية بشكل مضطرب نتيجة الانفتاح على الفضائيات والاحتكاك بثقافة المجتمعات الاخرى، حتى باتت ظاهرة تستحق الوقوف عندها وبحثها بطريقة عقلانية لا كما تتناولها صفحات الفيس بوك، فالتهكم على الزاحفين لا يمثلا حلا، والقضية بحاجة لآراء المختصين بعلم النفس والاجتماع، سيما اذا عرفنا بان عددا غير قليل من الزاحفين قد تخطوا مرحلة المراهقة وبأعمار كبيرة، وأن بعضهم يزحف وهو في سن يقترب من الشيخوخة، وباتجاهات مختلفة ويتحرك بعاطفة في ظل غياب كامل للوعي والحكمة، وبلا هدف، أذ لا يمكن أن نظلم أصحاب النيات الصادقة والنبيلة ( هدف الاقتران) وبين المتطفلين باتجاهات مختلفة غير مبالين بنظرة المجتمع الساخط وغير المتفهم لمرضهم النفسي  .

 

كثيرا ما أتساءل بحيرة :هل يعيشون هؤلاء في مساكنهم حياة سوية، أم أن زحفهم ترجمة وانعكاس للفشل الحرمان العاطفي والاسري، أو لخلل فسلجي يشكل ضغطا هائلا عليهم ويجعلهم يتخبط بل و ينحدرون بسلوكهم حد التفريط بكرامتهم لأجل الحصول على متعة في أغلبها لا تتعدى اللسان ، بل وان بعضهم يتخلى حتى عن إنسانيته وينحدر للحضيض، فلا يكترث لمشاعر وتقبل الطرف الآخر، متكئا على الضغوطات السلطوية مستغلا منصبه مهما كان صغيرا لتقريب هدفه ومعاملته معاملة خاصة، ما يولد حتما عند الاخرين شعورا بالإحباط والذي ينعكس سلبا على ادائهم الوظيفي، وهذه جريمة وخيانة للمسؤولية، وشكلا من أشكال الفساد الإداري .

 

ونحن نتحدث عن هذه الظاهرة لا بد من تسليط الضوء على ردة فعل المقابل ونتساءل عن أسباب التقهقر والانهزام عند بعضهن، ففي بلدان العالم المتحضر القوانين صارمة تحد من الزحف بشكل كبير، فبلمسة زر لهاتف نقال يجد الزاحف نفسه تحت طائلة القانون، ويكون عبرة لغيره، لكن في بلدنا تجد النساء حرجا كبيرا في طرح قضية من هذا النوع لأسباب عديدة أهمها  أن مجتمعنا عشائري وليس في مفردات قاموسه حلول باردة سيما في قضايا من هذا النوع، لأنها ستندرج تحت عنوان جرائم الشرف،  وبالتالي اثارتها لموضوع من هذا النوع قد يوصل الزاحف الى مشرحة الطب العدلي، والمانع الاخر أننا مجتمع تأويل بامتياز فأي عبارة تقولها المرأة المظلومة تفسر وتأولها بما تشتهي العقول المريضة، وليس بالأمر الغريب أن ترمى بسمعتها، وتقذف بعبارات شنيعة، لهذا أخترن بعضهن، السكوت والانتقال لموقع عمل آخر، هاربة من عفونة وقذارة وحقارة الزواحف البشرية.