هل كان وزير الدفاع موفقا في اتهاماته؟ ان الاصرار على استجواب وزير الدفاع لمرتين في فترة سنة، وطبيعته يؤكد وجود دوافع سياسية وراءه، وكان من المفترض عدم الموافقة على اجرائه؛ بدليل وجود قضايا عديدة بين المستجوب(عالية نصيف) والمستجوب(وزير الدفاع) مطروحة على القضاء العراقي، والاستجواب خالف احكام المادة(58) من النظام الداخلي لمجلس النواب كونه تضمن أموراً مخالفة للقانون وعبارات غير لائقة، وتعلق بأمور لا تدخل في اختصاص الحكومة الحالية، وكان في تقديمه مصلحة شخصية للمستجوِب واخرين، كل ذلك جعل الاستجواب فاقد لشروطه القانونية، واتهامات الوزير تركزت على ادعاءات بالمساومة والابتزاز على عقود ومناقصات. وبالمجمل كانت ادلة الوزير: دليلان: الدليل الاول: ستة شهود، خمسة منهم، لم تكن لأحدهم شهادة عيانيه ممكن ان تكون دليل مادي مباشر له قوته في تعزيز أي اتهام، وجميعهم بات أسمائهم معروفة للرأي العام وهم وزيري الصناعة والبلديات المستقيلين، ووزير الكهرباء، وقائد عمليات بغداد السابق، ومدير أحد التشكيلات التابعة لوزارة الدفاع، وبحسب الافادات فأن جميعهم نفوا امتلاكهم شهادة عيانيه أو سماعية عن تورط رئيس مجلس النواب المتهم (سليم الجبوري) بهذه الافعال، بل ان اثنان منهم استغربوا طلب الوزير سماع اقوالهم عما اعتبروه صراع سياسي داخل الكتلة الواحدة. والشاهد السادس، كان قد ادلى بشهادة منتجة لكنه تبين انه كاذب، وهو من جعل أكثر البرلمانيين يغيرون رأيهم بأجوبته ويصوتون على عدم قناعتهم بأجوبة الوزير، واتهم ابن وزير الدفاع وبعض الضباط بان لهم دور في تلقينه والمحكمة أصدرت أوامر قبض بحقهم وفق المادة(243) من قانون العقوبات النافذ. الدليل الثاني: قدم الوزير شريط فديوي فيه كلام لا يعدو ان يكون مداولات سياسية داخل الكتلة التي ينتمي إليها الوزير والمتهمين. والوزير ممكن ان يكون صادق في ادعاءاته، لكنه نسي ان من يريد ابتزاز شخص؛ لا يمكن ان يترك دليلا قاطعا قد يستخدم ضده، خاصه عندما يكون فطنا ومحترف بطرق الابتزاز ومتفنن بها وسبق له ان ابتز وزراء ومسؤولين آخرين، ووزير الدفاع قد ارتكب خطاء عندما تقدم بشكواه دون ان يكون لديه ما يكفي من الادلة التي تدعم ما ورد في ادعاءاته، وكان كلامه عبارة عن (طلب مني س) و(ساومني م) و(زارني ع) و(قال لي ط) مجرد كلام يصعب إثباته لأنه تم في منزل رئيس مجلس النواب واماكن أخرى، وبذلك اصبح مركزه القانوني ضعيف. هل شكوى رئيس مجلس النواب والمتهمين المذكورة أسمائهم منتجة ولها اثارها القانونية؟؟؟ ان جميع الدعاوى التي أقيمت على السيد وزير الدفاع تعتبر لا قيمة لها ولا ترتب أي إثر قانوني مادام المتهمين لم ينالوا قرار البراءة، وهناك فرق كبير بين قرار الافراج والبراءة لبعد الشقة بينهما واختلافهما نطاقا واثرا، وقرار البراءة وفقاً للمادة(182) من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ، تتخذه الهيئة التحقيقية في حالة عدم وجود أي دليل، او أن فعل المتهم لا يشكل جريمة، أو عند ظهور دليل واضح يفيد بأنه ليس هو من ارتكب الجريمة بل شخص اخر، وفي هذه الحالة فقط يستطيع (البريء) العودة على المشتكي لطلب التعويض لأنه لم يعدّ متهماً. والوزير لا يحاسب قانونا، لأنه كان في حالة دفاع عن النفس وكان بصفة مستجوب، وما تضمنته الجلسة من اتهامات بالفساد طالت رئيس مجلس النواب ونواب اخرين، جاءت على وفق الحاح عدد من النواب بكشف جميع الحقائق بالأسماء، مما دفع الوزير ان يوضح امام مجلس النواب وتحت قبته الضغوط التي كان يتعرض اليها، هذا من جهة ومن جهة أخرى، هناك امرين مهمين لعدم محاسبة الوزير في الجانب المدني والجزائي: الأول(المدني): ان وزير الدفاع دافع عن نفسه كمستجوب وفي مستهل اقواله ذكر مالم يستطع من الوزراء قوله، ووزير الدفاع من حقه وعند الادلاء بإفادته كمستجوب ان يتهم اي شخص، ولا مسائلة قانونية عليه؛ كونه استخدم حق من حقوقه الشرعية والقانونية، تطبيقا لنص المادة (٦) من القانون المدني المرقم 40 لسنة 1951 النافذ، ونصت على (الجواز الشرعي ينافي الضمان، فمن استخدم حقه استخداما جائزا لم يضمن ما ينشأ عن ذلك من الضرر) ونصت المادة (٧) من نفس القانون على (1 – من استعمل حقه استعمالاً غير جائز وجب عليه الضمان... ٢-ويصبح استعمال الحق غير جائز في الاحوال الآتية: أ – إذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الاضرار بالغير. ب – إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال الى تحقيقها قليلة الاهمية بحيث لا تتناسب مطلقاً مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها. ج – إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال الى تحقيقها غير مشروعة). والوزير استخدم حقه استعمالا جائزا كونه كان في محضر الرد على أسئلة الاستجواب وسؤاله من رئيس البرلمان عمن يبتزه ويساومه، وان المصالح التي كان يرمي لتحقيقها مشروعة وعظيمة الأهمية. الثاني(الجزائي): ان اعضاء البرلمان ورئيسه اصروا على ان يذكر الوزير اسماء النواب الذين حاولوا ابتزازه ومساومتهم وهذا يعني ان الوزير كان مضطرا الى ذكر الاسماء والوقائع التي تؤكد المساومات والابتزازات، التي حصلت معه وذلك قد يعتبره القضاء توافر حسن النية لدى الوزير، ووزير الدفاع وفقا لأحكام الفقرة(٢) من المادة(٤٣٣) التي اكدت اذا وقع القذف بحق الموظف او بحق نائب او أي شخص يقوم بعمل يتعلق بمصالح الجمهور فان الفعل لا يشكل جريمة بشرط ان يكون القذف متصلا بوظيفة المقذوف او عمله وان يقيم الدليل على صحة ما اسنده، ولحد الان لم يثبت عدم صحة ادعاء الوزير لان المتهمين لم ينالوا قرار البراءة، باعتباره وفق هذه الفقرة، قذف اشخاص بشخصيتهم المعنوية ولم يقذفهم بصفتهم الشخصية، غير متناسين ما ورد في نص المادة(436) من قانون العقوبات النافذ، التي نصت على: (لا جريمة فيما يسنده أحد الخصوم أو من ينوب عنهم الى الاخر شفاها أو كتابة من قذف أو سب اثناء دفاعه عن حقوقه أمام المحاكم وسلطات التحقيق والهيئات الاخرى وذلك في حدود ما يقتضيه هذا الدفاع) والاستثناء هنا يقتصر على الاعتداء القولي سواء ورد شفاها او كتابة فقط دون غيره وفي حدود ما يقتضيه حق الدفاع، اما خارج ذلك فلا يشمله الاستثناء، والضغط على وزير الدفاع مورس بأسلوب افتزازي واضح، من بعض الشخصيات والبرلمان، ونعتقد انه يقع ضمن نطاق هذه الفقرة وهو الذي دعاه الى الافصاح عما بجعبته في البرلمان عند استجوابه. وهناك ملاحظة مهمة جدا، عن المحكمة المختصة بدعاوى وشكاوى القذف والتشهير التي أقيمت من قبل رئيس البرلمان وغيره من الاعضاء ضد وزير الدفاع حول واقعة التشهير، وان محاكم البداءة هي المختصة بتلك الدعاوى بجانبها المدني وهذا الامر خاطئ؛ لان محكمة قضايا النشر والاعلام التي انشاها مجلس القضاء الأعلى ببيانه المرقم ٨١/ ق/ أ، في 11/7/2010، قد سحبت الاختصاص المكاني الجزائي والمدني من بقية المحاكم في قضايا النشر والاعلام، حيث يمنع بعد هذا التاريخ على جميع المحاكم في العراق النظر في الدعاوى التي يكون احد طرفيها صحفيا او اعلاميا او موضوعها يتعلق بمسائل النشر والاعلام، حيث لا يجوز اقامة دعوى او تحريك أية شكوى على أي صحفي أو إعلامي او أي قضية تتعلق بجرائم النشر إلا أمام هذه المحكمة حصرا، كما لا يجوز إقامة الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويض عن قضايا النشر إلا من خلال هذه المحكمة ايضا، وان طلب التعويض امام محاكم البداءة بذريعة ان القذف والتشهير قد تم تحت قبة البرلمان وليس عبر وسائل الاعلام، اجتهاد خاطئ وفق ما سبق تقديمه انفا، لان القذف والتشهير مورس بعلانية وتم نشره عبر وسائل الاعلام ، والأفضل للمدعي في تقدير مبلغ مجزي كتعويض؛ ان يكون القذف والتشهير تم بعلانية، ومحكمة قضايا النشر والاعلام تنظر إلى موضوع الشكوى لا صفة الشخص، وتحديدا بالقضايا المتعلقة والعقوبات المقررة في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ، للجرائم المتعلقة بالصحافة و النشر والمحددة في المواد ( 81، 82، 83، 84، 201، 202، 210، 211، 215، 225، 226، 227، 403، 433، 434)، وهو ما يعني ان هذه المحكمة تختص في الشكاوى والدعاوى المتعلقة بقضايا النشر سواء كان المشتكي او المشكو منه او المدعي او المدعى عليه مواطناً عاديا او موظفا او مسؤولاً في الدولة أو صحفياً أو إعلامياً. هل ما تم نشره من وقائع للجلسة السابقة عمل مخالف للقانون؟؟ ان نشر جلسة مجلس النواب السابقة الخاصة باستجواب ذات الوزير من قبل النائبة حنان الفتلاوي والتي كانت (سريه) بأمر من مجلس النواب؛ يضع مقترفه تحت طائلة احكام المادة (٢٢٨) من قانون العقوبات النافذ التي نصت على (يعاقب بالحبس .. من نشر بإحدى طرق العلانية امرا مما جرى في الجلسات السرية لمجلس الامة او نشر بغير امانة وبسوء قصد امرا مما جرى في الجلسات العلنية لهذا المجلس).
|