التحقيق الدولي " الفساد حلال حتى يثبت حرامه "

العملية السياسية وما تحتويه من رئاسات وسلطات اربعة متربعة على قدرنا قد اغرقتنا في خناق سياسي وعجزت عن اقامة العدل والاحسان فينا ونأت كل واحدة بمكانتها عنا فاصبنا بخيبات امل على مقاس عديدها , وقد طال الامر علينا واصبح الشاغل الاوحد والاوجع فلا يمر يوم ولا ساعة الا وتناول الحديث عن الفساد وامراءه ومن حولهم من التابعين كيف نوقف ما اجهر من صغائره وما خفى منه كان عظيم فهل العيب فينا ونحن في ارض الانبياء والاولياء الصالحين وعندنا من العلماء والسادات والحكماء والمجتهدين وقد امتلكنا ارثا وأفقا من الحضارات مديد ومتين او العيب في ارض الرافدين وقد خلت من العزة والكرامة وابت ان تحل على رجالنا لما اسبغ علينا من وهم في الفكر والعقيدة وقد توالى علينا من اثر ذلك فراق خصيم فهل خاب الرجاء فيهم واندثر من شعب عانى الويلات من الظلم والقهر ومن حكومة كانت أسّ ذلك البلاء كيف اصبح منهجا فيها وكيف انتشر .
كل تلك السلطات ورموزها وهيبتها وهولها عجزت عن ان تقف بوجه الفساد وخاب الظن بهم وبحت الاصوات عنهم وتلاشت واصبحت دعواتهم للاصلاح خاوية فارغة من اي مضمون وفحوى . فواحدة قالت كلمتها على عجالة بان ابتعدوا عنا فيكفينا ما نحن فية من عيشة راضية ومكانة عالية ولا نريد ان تفتح ابواب تدخل منها ريح صرصر عاتية فنحن لا نحتملها فقد بلغنا من العمر عتيا تلك السلطة التي في يدها ان تضع للحق ميزانا وتملئ به الارض قسطا وعدلا بعد ان ملئت فسادا وجورا وسلطة اخرى متنعمة ومرتاحة قابعة في قصرها تطل علينا بين الفينة والاخرى فتدعو وتستنكر او تستضيف جمعا فلا يصيبنا من حديثها او فعلها خير ولا جدوى والثالثة وهي ملهاة من التخبط والفوضى ومن صراعات قد اتت على ما كان من مسؤولياتها التي اقسمت عليها فلا قوانين شرعت ولا رقابة تحققت وقد هزها وارعبها عندما اتهمت برئاستها وفي عقر دارها وتحت قبتها والرابعة وهي التي اخذت على عاتقها المسؤولية الاعلى ومن على راسها قد اطلق وعودا عقيمة وما تحقق منها كان مزحة فقد اوعدنا ووعد الحر دين عليه بان بعد عامنا هذا لن يكون للفساد واهله مكان فينا ولا اثرا وسيقضي عليه بيد من حديد فوضت له وهو لا يستحقها ولم يقدم على اي خطوة سوى خطابات مكرره يلقيها في الليل وفي النهار يمحيها .
الحكومة واحزابها التي تقبعت بكساء التدين والعقيدة والمكون ومستلزماتها استقدمت اخيرا من لايؤمن ولا يكترث بتلك المسميات ليقيم الحجة علينا والطبخة ليست بالغريبة والجديدة فقد طالبت بذلك الاستقدام شخصيات مهمة وجمهور واسع لفتح كل الملفات ومن اول العهد بعراق اسموه جديد ورغم ان تلك الخطوة تعتبر من الناحية العملية حل ذكي وبدعة احترافية ومناورة سياسية قد هيأت باتقان ولكن ظاهرها على غير ما يدار خلف كواليسها , فليس من المعلوم الى الان ماهي جنسيات المحققين وماهي مرجعياتهم وما الذي يمنع من ان تسحب جميع تلك الملفات لحساب وكالات ترتبط بدول لا نعلم مالذي تستفيد منها وكيف توظفها مرة اخرى وتجعلها اوراق ابتزازية تضغط بها على جهات محلية واقليمية بعد ان تنكشف كل تلك العورات من راسها وحتى اخمص قدميها , والانتخابات قد تكون سببا اخر فالاحزاب المتسلطة قد ايقنت انها لن تحصل على تاييد من المؤسسات الدينية التي دعمتها في السابق وباي شكل كان وانها بحاجة الى صكوك الغفران من جهة من خارج المنظومة الحكومية وربما جرى العمل على ان لايكون هناك اي ملف ادانة قد يقع تحت انظار لجنة التحقيق الدولية وخاصة ملف الاموال التي هربت الى حيث لا يعلمها الا الله والضالعين بها من جهات استعانت بمكرها ونفوذها وبتنازلات ومساومات الى ان تاكدت تماما بانها ستبقى بعيدة عن دائرة المساءلة والاجراءات القانونية وستخرج منها " صاغ سليم " وستبرئ ذمتها امام ناخبيها لتدور عجلة النفوذ والسلطة مرة اخرى .
لن تجري الرياح كما نتمنى او نشتهي لان التحقيق سيكون حلقة مضافة لتتشابك مع الحلقات الفارغة الاخرى فمن المعروف ان تلك اللجان تتطلب جهدا واموالا ووقتا طويلا ربما سنوات وسنظل ندور في دوامة التحقيقات والتسريبات ونتطلع الى النتائج التي تعودنا عليها وبات من المعيب استغرابها وهي مكررة ومعروفة لدينا الا من صياغاتها التي يبدو انها ستكون باحترافية عالية من اللف والدوران والتسويف والمردودات المتوقعة هي النتيجة " صفر وباليد حصان " ولن يكون هناك دليل جامع ودامغ يدين اي جهة عاملة في الحكومة وهذا سيكون في يديها حجة واضحة فان اردتم الفاسدين فالعمل والتحقيقات جارية ومن يتهمنا سيكون عليه ان ياتي بدليل مبين , هذا الدليل هو الذي اعطى الشرعية للفساد والمفسدين وجعلهم في مأمن من الحساب وفي فسادهم يعمهون , فالفرد العراقي البسيط لايمتلك دليلا قانونيا ولكنه يعلم علم اليقين ان ما جرى عليه من حيف ليس من الصلاح بشئ وان اموال طائلة قد استخدمت في غير محلها وذهبت الى جيوب من لايستحقها قانونا وشرعا فقد ضاعت الامانة التي وضعها الشعب في اعناقهم كل حسب مسؤوليته ومنصبة وواجبه , والشاهد على ذلك هو عصر الخراب الذي سيلفظه التاريخ ويلعنه كما لعن العصر الذي من قبلهم , ولكنهم لازالوا متمسكين بان هذا ليس فسادا بل هي منافع ومصالح ورزق حلال ليس فيه من الحرام من شئ , وسيبقى ما يطالبون به من دليل هو الدرع الواقي والحامي لهم ولفسادهم الذي استشرى وصار كالطاعون الاسود .
العراق الجديد ليس كمثله في السوء من شئ حسب المواصفات العالمية والفساد فيه لم يعد جنحة ولا جرم حتى يمكن ان يدان بالدليل والاجراءات القضائية الطويلة والمعقدة لانه قد اصبح منظومة مركبة وظاهرة متفاقمة بسسب اتساع شبكاته في مفاصل الدولة ومؤسساتها وان اعتماد الاجراءات الروتينية كمبدا للقضاء عليه سيكون في قمة التخلف الفكري
والسياسي , فكم دولة قد نجحت في القضاء على الفساد بالاعتماد على اللجان التحقيقة محلية كانت ام دولية فهل باستطاعتها كشف الاسماء الصريحة خاصة وان لدينا حالة شائكة اسمها المحاصصة فقد يعتلي المناصب على اختلاف درجاتها من كان للفساد ظهيرا ويتنحى عنها من كان للفساد عدوا لدودا ولنضرب مثلا حديثا وليس بعيدا فما ان لاحت شبهات فساد على وزير مصري واتهامه بشكل اولي بالفساد تم حل الحكومة وتشكيل اخرى بوقت قياسي واحيل الوزير على التحقيق وهذه رسالة صاعقة بان العيون متربصة لمن تسول له نفسه بالعبث باموال الشعب , لم يبقى على العراق وشعبه وهو على محك خطير الا ان ياخذ القرار فان اراد الحياة فلن يستجيب القدر بالاعتماد على الدليل والتحقيق وعليه ان يختار بين ان يرفع القواطع البيض والرماح العوالي بكل ما يحمله من فكر وغيرة ونخوى , فقد اينعت حيتان الفساد وحان وقت قطع دابرها وبين ان يستكين الى ان نشهد محققا او خطيبا يعتلي منبرا ويخرج علينا رأيا او حديثا او اجتهادا كنا عنه غافلين فيحدثنا ان احد الرواة قد قال عن فلان عن الفلاني " الفساد حلال حتى يثبت حرامه " .