صحيفة New Republic الامريكية تكشف و"بالاسماء" عن فساد فترة حكم نوري المالكي |
العراق تايمز: منذ بضع سنوات، حين كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لا يزال في منصبه، سافر فريق من أقرب مساعديه إلى العاصمة الأردنية عمّان، وقاموا باستئجار أجنحة في أحد فنادق المدينة الأكثر فخامة. ذهبوا إلى عمان لعقد لقاءات مع رجال الأعمال الأجانب الذين حضروا سعياً للحصول على عقد مربح لمشروع في مجال الطاقة، من شأنه أن يساعد على ترميم البنية التحتية المدمرة للعراق. كانت بغداد، مثل باقي العراق، في حالة من الفوضى، لذلك كان من الخطر على الزوار أن يذهبوا إليها، بالإضافة إلى ذلك كانت عمّان توفر قدراً أكبر من الخصوصية من العاصمة العراقية، وهو ما كان شرطاً أساسياً لعقد تلك الاجتماعات، فقد كان رجال الأعمال قادمين لتقديم رشاوى للمالكي وغيره من كبار المسؤولين الحكوميين في مقابل الحصول على العقد، حسب تقرير لصحيفة New Republic. ترأس هذه الاجتماعات كاطع نجيمان الركابي، مدير المراسم برئاسة الوزراء، ويشتهر ، الركابي والمالكي، بالفساد والقسوة. قدم منير حداد، رئيس المحكمة الخاصة التي أصدرت الحكم بإعدام صدام حسين، شكوى في عام 2014 مفادها أنهما هدّداه بالقتل إذا لم يتدخل لوقف تحقيق في اتهامهما باستخدام أجهزة الأمن لقتل منافسيهما السياسيين والتجاريين، بعد عدة أيام من تقديم الشكوى، كان حداد هدفاً لمحاولة اغتيال فاشلة. ولم يُستكمَل التحقيق. وفقاً لأحد رجال الأعمال الذين حضروا الاجتماعات في عمان، كانت شروط الركابي بسيطة: من يفز بالعقد عليه تسليم حصة 45% من الصفقة، بالإضافة إلى دفعة مقدمة ضخمة للشركة العراقية التي يسيطر عليها مسؤولون مقربون من المالكي. تقوم الشركة العراقية، في المقابل، بتقديم رشاوى إلى عدد من المسؤولين السياسيين، معظمهم من الشيعة من حزب الدعوة الحاكم الذي ينتمي إليه المالكي، بالإضافة إلى عدد قليل من المسؤولين الأكراد للحصول على موافقتهم قبل أن يُنشأ مشروع الطاقة على أراضيهم. ويقول رجل الأعمال إن "الشيعة الذين يديرون الشركة لم يكونوا على علم بتفاصيل هذا المشروع، كانوا فقط يحلمون بالثراء، لم يكن الأمر يتعلق بالمقدرة الفنية أو الخبرة: كان دور الركابي يقتصر على توزيع الأموال، كمستثمر، ربما لا تحصل على أي ربح لمدة خمس أو ست سنوات، ولكن السياسيين يتسلمون حصتهم مقدماً". لم يُفاجأ أي من رجال الأعمال في الاجتماع بمدى الجرأة أو الفساد. كانت الشركات الأجنبية التي تتقدم للمساهمة في إعادة إعمار العراق تُجبر على اتخاذ المسؤولين العراقيين كشركاء من أجل ضمان الحصول على الصفقة. وكانت أموال دافعي الضرائب الأميركيين التي ترسل لتسليح الجنود العراقيين في الحرب على تنظيم القاعدة تختفي في كثير من الأحيان في حسابات في البنوك السويسرية. لم يكن شراء الأسلحة يتم بالفعل، بل أكثر من ذلك، كانت الأموال تقع في نهاية المطاف في أيدي أعداء أميركا. فقد كان الفساد منتشراً على نطاق واسع جداً، حتى أنه ساعد على تمهيد الطريق أمام تهديد جديد تماماً: الشركة التي فازت بعقد الطاقة في عمان لم تعد قادرة على استكمال المشروع، لأن الأراضي التي كان من المزمع إنشاء المشروع عليها سرعان ما سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، والمعروف باسم "داعش". لا تزال أسباب مغامرة أميركا المدمرة في العراق مثاراً للجدل. كيف يمكن للولايات المتحدة، بعد أن أنفقت نحو 1.7 تريليون دولار من أموال دافعي الضرائب، لنشر أكثر من 115 ألف جندي للاطاحة بصدام حسين وإعادة بناء البلاد، أن ينتهي بها الأمر مع دولة منهارة أدت إلى ظهور نوعية جديدة وحشية من الإرهاب. ويتساءل تقرير الصحيفة الأميركية: هل كان فشلاً في الاستراتيجية العسكرية، أم في الإرادة السياسية؟ هل أنهينا الحرب بسرعة، أم أن الأمر استغرق وقتاً أطول من اللازم؟ ألم ننفق ما يكفي لإعادة بناء البنية التحتية للبلاد، أم وجهنا مساعداتنا إلى الأماكن الخطأ؟ قد يكون الجواب أبسط بكثير، وأكثر إذلالاً في نهاية المطاف: إن الرجال الذين قلدناهم الحكم في العراق سرقونا، لو كانت الموارد الأميركية قد استخدمت على النحو المطلوب، لما كان لداعش وجود الآن. يقول رجل الأعمال الذي حاول الحصول على صفقة الطاقة "كان المالكي ورجاله يتكتمون الأمر، لم نكن نعرف مطلقاً من الذي يحصل على المال، ولكن المالكي حصل على نصيب من كل صفقة، مع باقي المسؤولين الحكوميين، لقد أقاموا نظاماً مفصلاً جعل الأمر يبدو كما لو كانت التنمية تتم بالفعل بناء على التعاقدات القانونية والعطاءات، ولكن كل ذلك كان فساداً، وهكذا اختفت الكثير من الأموال الأميركية". من الصعب المبالغة في وصف الدور المدمر الذي لعبه الفساد في انهيار العراق وصعود داعش. ووفقاً لتقرير صدر في مارس/آذار 2016 من قبل لجنة المراجعة في البرلمان العراقي، فقد أنفقت وزارة الدفاع في البلاد 150 مليار دولار على الأسلحة في السنوات العشر الأخيرة، ولكنها حصلت فقط على ما قيمته 20 مليار دولار من الأسلحة. وكان جزء كبير من المعدات التي حصلوا عليها غير مجدي، فقد اشتروا عتاد صنع في السبعينات من القرن الماضي من دول الكتلة السوفيتية السابقة، وكانت الفواتير تصدر بأربعة أضعاف قيمتها الفعلية. ويقول معد تقرير الصحيفة الأميركية "في أواخر عام 2015، أخبرتني مصادر مطلعة أن وزارة الدفاع الأميركية أرسلت شحنة أسلحة جديدة إلى الحكومة العراقية، بما في ذلك بنادق قنص، كان من المفترض أن يتم إرسالها إلى المقاتلين السنة في محافظة الأنبار، بدلاً من ذلك، باعها المسؤولون الفاسدون في الوزارات العراقية الداخلية والدفاع إلى داعش التي استخدمتها لقتل المقاتلين الأكراد (البشمركة)". ويقول مسؤول سابق بالمخابرات المركزية الأميركية أمضى قدراً كبيراً من الوقت في العراق: "الأكراد لا يزالون يستخدمون المعدات التي أعطيناها لهم في عام 2003، إنهم يضطرون إلى شراء الذخيرة والأسلحة التي تعطيها الحكومة الأميركية إلى بغداد من مسؤولي الحكومة العراقية الفاسدين". الأسلحة ليست هي الهدف الوحيد للفساد، فعندما يتعلق الأمر بالمبالغ الطائلة من الأموال التي تدفقت إلى العراق لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، كان المسؤولون في كل مستوى من مستويات الحكومة أكثر تركيزاً على ملء جيوبهم من إعادة بناء بلدهم المدمر. توظف الشركات الأجنبية التي تسعى للحصول على صفقات في العراق وسطاء ذوي علاقات جيدة، ليتمكنوا من رشوة كبار المسؤولين في مقابل الحصول على عقود. وفي حالة ظهرت مؤخراً، قام العديد من عمالقة الطاقة الأميركيين، بما في ذلك Weatherford و FMC Technologies بانتداب شركة تعمل في قطاع الطاقة مقرها موناكو تسمى Unaoil. في عام 2012، كانت Unaoil تدفع الملايين من الدولارات لكبار المسؤولين العراقيين، مقابل منح عقود لعملاءUnaoil، مع أرباح ضخمة في كثير من الأحيان، لأن الحكومة وافقت على شراء المنتجات والخدمات بأسعار مبالغ فيها. وهكذا، استنزفت الأموال التي كانت مخصصة لإعادة الإعمار من قبل المسؤولين الفاسدين والشركات الخاصة.
كشفت رسائل البريد الإلكتروني الداخلية أن Unaoil تدفع أكبر الرشاوى لاثنين من المسؤولين العراقيين أطلق عليهم M وTeacher. كان هذا الأخير هو حسين الشهرستاني، الذي كان يشغل منصب وزير النفط ونائب رئيس الوزراء في عهد المالكي. (وهو حاليا وزير التعليم في العراق). وكان M هو كريم اللعيبي، الذي خلف الشهرستاني في وزارة النفط. كان ضياء جعفر الموسوي مستفيداً آخر من سخاء Unaoil، وقد رمز له باسم Lighthouse في رسائل البريد الإلكتروني، وكان يشغل منصب مستشار النفط لعدد من رؤساء الحكومة، بما في ذلك المالكي. ومنذ ذلك الحين تم تعيينه نائباً لوزير معامل تكرير البترول. يقول إريك غوستافسون، مدير مركز التعليم من أجل السلام في العراق، "لقد تم استبدال التكنوقراط في الوزارات الرئيسية بالسياسيين الذين يدينون بالولاء لأحزابهم. ليس هناك منافسة للحصول على عقود الحكومة لأنها تمنح لمن يفضلهم الحزب". من أشكال الفساد الوقحة للغاية والجديدة نسبياً إسناد عقود أجنبية كبرى لشركات وهمية. ففي عام 2013، وقعت حكومة المالكي على صفقة تقدر بست مليارات دولار لشركة سويسرية تدعى Satarem لبناء وتشغيل مصفاة يمكنها معالجة 150 ألف برميل من النفط يومياً. ولكن اتضح أن Satarem كانت مجرد واجهة، غير قادرة على الوفاء بالعقد. تم تسجيل الشركة لدى مكتب محاماة في بلدة صغيرة تسمى تسوغ، كان أصحابها مجهولين، ولم يزد رأس المال المتاح لها عن 450 ألف دولار. عندما ظهرت الفضيحة، علقت حكومة المالكي العقد وفتحت تحقيقاً. ولكن في شهر فبراير/شباط 2015، أكدت الحكومة العراقية على الاتفاق بهدوء، والذي يضمن امتياز المصفاة لـSatarem لمدة 50 عاماً. يقول أحمد موسى جياد، وهو مسؤول كبير سابق في شركة النفط الوطنية العراقية، عمل مستشاراً لهيئة النزاهة "لن تبنى تلك المصفاة أبداً. هذه شركة غير معروفة وليس لها موارد مالية أو خبرة لوجستية. ومن الواضح أن هذا العقد كان من نصيب Satarem بسبب علاقتها مع المسؤولين الفاسدين". يمثل هذا الفساد عائقاً كبيراً أمام استقرار العراق. لم يعد العراق بلدا واحدا موحدا، ويتوقع كثير من المحللين أنه سينقسم قريباً إلى ثلاث ولايات اتحادية مستقلة نسبياً: نظام شيعي يسيطر على ما بين بغداد والبصرة، وحكومة كردية في الشمال، ودويلة سنية تتركز في محافظة الأنبار قد تنافس فلسطين في البؤس. الفوضى تشجع وتمكن الفساد: أصبحت داعش المنظمة الإرهابية الأكثر خطورة في العالم، والحكومة العراقية تدفع مبالغ ضخمة إلى المحافظات عن طريق النقد المنقول بالشاحنات من بغداد، والأحزاب السياسية حرة بموجب القانون العراقي في قبول التمويل غير المحدود من الدول الأجنبية. يقول غوستافسون: "هناك تركيز كبير على تحقيق مكاسب ضد داعش، وهو أمر مفهوم. ولكن قبل داعش كان هناك تنظيم القاعدة في العراق. إذا تم القضاء على داعش، فإن مجموعة أخرى ستحل محلها. طالما يوجد الفساد والبؤس على هذا النطاق، ستنشأ بيئة يمكن للإرهاب أن يزدهر فيها". نهب المساعدات والعقود الأميركية مكَّن النخبة في العراق من التمتع بأنماط حياة مترفة، أكثر ملاءمة لبيفرلي هيلز من بغداد، وقد انتشرت الأحياء الخاصة، على غرار McMansion ، والتي يحميها حراس مسلحون في أنحاء البلاد، يجوب شوارعها الأرستقراطيون المحدثون بسيارات فاخرة مصنوعة في الخارج، يتناولون الطعام في مطاعم تنافس أطباقها مطاعم العواصم الغربية. وقد حول المسؤولون الفاسدون ورجال الأعمال مبالغ طائلة إلى الملاذات الخارجية في الأردن ودبي وسنغافورة، وفي عقارات لندن كذلك. وفقاً لهيئة النزاهة، تم اكتشاف 6 مليارات دولار في صناديق تابعة للحكومة العراقية مؤخراً في قبو في لبنان، كما أرسلت 14 مليار أخرى بصورة غير شرعية لدولة الإمارات العربية المتحدة وتركيا وإيران والولايات المتحدة، ودول أوروبية مختلفة. في أكتوبر/تشرين الأول 2015، أعلن عادل نوري، عضو البرلمان والمتحدث باسم لجنة النزاهة، أن 10 وزراء، بما في ذلك المسؤولين السابقين عن الدفاع والنفط والداخلية والنقل والتجارة، قد ارتكبوا أعمال تزوير واسعة النطاق. وقال نوري "بعض الوزراء اتهموا بتلقي 900 مليون دولار كرشوة. بعض عقود الوزارة الوهمية بلغت قيمتها 1.5 مليار دولار". يتمدد الفساد في العراق مجتازاً الحواجز الدينيّة والعرقية، إلا أن حصّة الأسد من الأموال المشبوهة كانت من نصيب الأغلبيّة الشيعية في البلاد. فالمالكي، والذي ما يزال الرجل الأقوى في السلطة رغم تخليه عن منصب رئيس الحكومة، كان قد أنشأ بِنيةً تحتيّة للكسب غير المشروع خلال فترة توليه لهذا المنصب ، وذلك عبر تحكمه في وزارتَي الدفاع والأمن الداخلي ووكالات الاستخبارات وكذلك اللجنة الانتخابية. ولكن الفساد كان قد تمدد أيضاً إلى الأوساط الكردية في الشمال، حيث كانت عائلة مسعود برازاني - رئيس حكومة منطقة كردستان منذ ٢٠٠٥ - تغنم حصّة ضخمة من الإيرادات الحكومية. وعلى الجانب السنّيّ، فإن نائب رئيس الوزراء السابق صالح المطلق يقضي وقته بين بغداد والعاصمة الأردنيّة عمّان حيث يمتلك عقاراً ضخماً كان قد اشتراه بأموال الحكومة التي نهبها، حسب أحد المصادر المطّلعة. "ليست الحكومة إلا كعكة، ولكلٍّ منهم نصيبه وحصّته"، هكذا يعلّق حميد القعود، وهو رجل أعمال من محافظة الأنبار ووالده أحد شيوخ القبائل في المنطقة. والأكثر دهشة في هذا الانتشار الواسع للفساد في الأوساط العراقيّة هو كيفية تعامل السلطات مع الإصلاحيين الذي يحاولون مكافحة الاحتيال والكسب غير المشروع، وكذلك تجاهلت إدارة الرئيس أوباما للحرب المعلنة من السلطات ضد الإصلاحيين. ففي أيلول 2015، قُتِل نسيم نعيم، أحد موظفي وزارة التجارة، في انفجار سيارة مُفخّخة وهو على أهبة تسليم بعض الوثائق والمستندات إلى هيئة النزاهة لكشف أنماط الفساد في الوزارة التي يعمل بها. (وقد جرى التحقيق مع وزير التجارة ميلاس عبد الكريم في ملابسات الحادث، إلا أنه تم إخلاء سبيله وتبرئته لاحقاً). وقد واجهت هيئة النزاهة نفسها تهديدات منذ إنشائها، فأول رؤسائها القاضي راضي حمزة الراضي كان قد تلقّى تهديدات بالقتل مِن مجهولين بعد ضغوط من قِبَل حكومة المالكي لتخفيف قبضة الهيئة عن بعض المسئولين المتهمين بالفساد، إلا أن الراضي استقال وهرب إلى الولايات المتحدّة الأميركيّة حيث حصل على حق اللجوء السياسي عام ٢٠٠٨. ويسود اعتقادٌ أن اللائمة بهذا الأمر يجب أن توجّه إلى جورج بوش الابن، وأنّ باراك أوباما قد حاول قدر المستطاع أن يدير الأزمة التي ورثها عن سلفه. لكن فترة رئاسة بوش كانت قد انتهت بعد ٥ سنوات على غزو العراق، فيما يتحمّل أوباما المسئولية عن الكوارث التي توالت خلال السنوات الثمانية المنصرمة. وقد تقاطعت ست سنوات من أصل ثمانية قضاها المالكي كرئيس للوزراء مع تولّي أوباما رئاسة الولايات المتحدة. ويعتقد أن المالكي هو المسئول الأول عن الفساد والعنف الطائفي الذي مزّق البلاد. وكان خلفه حيدر العبّادي قد قام ببعض الإجراءت الإصلاحية إلا أنه لم يتمكن بعد من إزاحة آلاف العناصر المتهمة بالفساد في وزارات حكومته. وفي الواقع فإن الفساد قد استشرى وترسّخ في العراق بشكل يبدو معه أن المستحيل استئصاله وإزالته. قبل عامٍ من انتخاب أوباما، كان كبير المحقّقين في هيئة النزاهة، سلام أدهوب، قد فرّ هارباً إلى الولايات المتحدة، وكان أدهوب قد تلقّى تهديدات بالقتل، مثل الراضي قبله، وقد قُتِل أكثر من ٣٠ من زملائه. وأدلى أدهوب بشهادته أمام مجلس الشيوخ الأميركي قائلاً إن "الفساد والتبذير" قد انتشرا في أوساط الحكومة العراقية، خاصة في أروقة وزارة الدفاع، "حيث أدّت المحسوبية والتحيّز الحزبي والمحاباة وانعدام الرقابة المالية في أبسط صورها إلى اختلاس وسرقة وإهدار مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركية". وفي إحدى قضايا الكسب غير المشروع، أدّت تحقيقات أدهوب إلى اكتشاف شركة قابضة تدعي "الأعيان الجارية" تدار من قِبَل نائر محمد أحمد الجمّيلي، وهو صهر وزير الدفاع العراقيّ. وكان الجمّيلي قد جمع ثروته عن طريق الحصول على عمولاتٍ ورِشىً من شركات أميركيّة تتعاقد مع الحكومة العراقيّة. ويشير أدهوب إلى أنّ من بين عملاء الجمّيلي شركة "إيه إم جنرال"، وهي شركة مقرها ساوث بِند بولاية إنديانا الأميركية، حيث زعمت ضخّ ملايين الدولارات إلى شركة الجمّيلي كجزء من تعاقد يقتضي توريد عربات هامڤي إلى الجيش العراقي. وطبقاً لشهادة أدهوب، فإنّ إيه إم جنرال قدّمت فواتير بقيمة تصل إلى ١٨,٤ مليون دولار إلى الحكومة العراقية مقابل أعمال وهميّة، فيما لم تورّد إلا أقل من ١٧٠ عربة هامڤي من أصل ٥٢٠ تنص عليها عقودها مع الحكومة. وهنا يلّح السؤال: أين ذهبت كل تلك الأموال؟ بحسب أدهوب، فإن الجمّيلي كان "معروفاً بدعمه للقاعدة" وقد أودَعَ بعض تلك الأموال في حسابات بنكية للقاعدة في عمّان. وفي شهادته أضاف أدهوب: "لقد كنت مقتنعاً بلا أدنى شكّ أن الفساد كان السبب في مقتل الكثير من الجنود الأميركيين". مؤكّداً أن "العراق لم يتلقّ أبداً أيّاً من المركبات المصفّحة التي طلبتها الحكومة من إيه إم جنرال. لقد كانت القاعدة أفضل تسليحاً من الجيش العراقي، وكان ذلك الفساد هو السبب في هذا". لم يتم التحقق مطلقاً مع الجمّيلي على خلفيّة تلك الرشاوى. وكذلك ما زالت شركة إيه إم جنرال، والتي تنفي تلك التهم بحقها، من أبرز الشركات المتعاقدة مع الحكومة الأميركيّة. وفي أبريل/نيسان 2016، قامت هيلاري كلينتون بزيارة مقار ومرافق الشركة في ساوث بِند أثناء حملتها للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في ولاية إنديانا، حيث امتدحت الشركة وإدارتها. ومع انعدام الأمل في أيّة إصلاحات تأتي مِن واشنطن، يتظاهر العراقيون في شوارع بغداد. وفي نفس الشهر الذي قامت فيه كلينتون بزيارة إيه إم جنرال، أبريل\نيسان ٢٠١٦، اقتحم مئات العراقيّين المنطقة الخضراء وسط بغداد، مجتاحين مقر البرلمان العراقي. وقد كان القيادي الشيعي البارز والمعادي للولايات المتحدة مقتدى الصدر دعا المتظاهرين إلى النزول إلى الشوارع، مطالبًا إيّاهم بـ"هبّة شعبية عظيمة وثورة كبرى لإيقاف مدّ الفساد". وقد تواصلت المظاهرات خلال فصل الصيف. وفي سياقٍ آخر تأكيداً على الكلفة البشرية للفساد، خرجت بعض مسيرات الغضب بعد انفجار سيارة مفخخة، تبنّته داعش وأدّى إلى مقتل أكثر من مائتي شخص. وكان سائق السيارة قد مرّ عبر نقاط أمنية وقام الحراس بتفتيش السيارة إلا أن أجهزة الكشف عن المتفجّرات كانت زائفة. ولم تكن تلك الأجهزة تحوي بطاريات أو أيّة مكوّنات إلكترونية، وإنما فقط بعض اللواقط الهوائية. وقد كانت الولايات المتحدة والحكومة العراقيّة منذ سنوات على علمٍ بأن هذه الأجهزة عديمة النفع، ويسمّيها العراقيّون على سبيل السخرية "أجهزة الكشف عن الحساء". وقد أنفقت وزارة الدفاع العراقيّة ما لا يقل عن ٨٥ مليون دولار لاقتناء هذه المعدّات من محتالٍ بريطاني يدعى جيمس ماك كورميك، والذي يقضي حكمًا بالسجن لمدة ١٠ سنوات بتهم الاحتيال والتزوير.
|