عبرنا قبل ايام انتخابات مجالس المحافظات وحلقة اخرى من مسلسل تجربة ديمقراطية الفوضى السائدة في عراق مابعد سقوط الصنم ثم رحيل الاحتلال الأمريكي تاركا الساحة فارغة خاليه الا من مافيات القتل والتدمير الطائفية القومية فاتحة افواهها للمزيد من السيطرة والنفوذ على ارض خربت ولم تعمر طوال السنوات التي اعقبت غزوة البعث للكويت ثم توالت من بعدها مأسي تدمير البنى التحتية والحضر والجوع والتشرد ثم الاحتلال المباشر الذي جاء لقلع جذور الفاشية التي ترسخت رافضة المغادرة والتنحي تمهيدا لعهد جديد تتنفس فيه شعوب المنطقة بعض نسائم الحرية .
اذا كانت العمليه الانتخابية هي المفتاح والمؤشر لعهود الحرية والديمقراطية الموعودة للعراق فلابد اولا من تذكير ولو بسيط بأنتخابات العراق السابقة وخاصة في زمن البعث وصدام واخرها في العام 2002 وماسمي حينها بأنتخابات الزحف الكبير والخاصة لأختيار رئيس للجمهورية العراقية باستفتاء شعبي وفي اجواء احتفالية واعلامية واسعة ومشاركة مكثفة ونتيجة حاسمة فالمرشح هو واحد أحد لاغير وكل ماعلى الناخب بدل دوخة الاختيار وصعوبة التقرير وخاصة على الاميين واهل التعليم القليل , كل ماعلى الجميع ان يضعه هي علامة الصح على ورقة الاقتراع ويعود سالما غانما فرحا الى داره ومؤواه !! وكانت النتيجة التاريخية كما اعلنها السيد نائب القائد الجنرال عزة الدوري هي 100 بالمائة موافقون !! واشتعلت الاحتفالات الرسمية بينما كانت غالبية الشعب العراقي تستمع الى الاذاعات الاجنبية والاستعدادات الجارية لغزو العراق والاطاحة بصدام والبعث الحاكم وتحويل الحكم الى ديمقراطي برلماني .
قبل ايام وبعد اكثر من 10 سنوات من زحف عزة الدوري نحو مئوية صدام , جرت انتخابات جديدة لمجالس المحافظات في عراق خال من من السيطرة الرسمية لبعث صدام والاحتلال الامريكي ولكنه مليئ بمافيات الفساد والارهاب المحلية التي تسيطر فعليا على مفاصل السلطة , كما تتشكل منها المعارضة المسلحة الفاعلة بكافة توجهاتها , و كل يحاول فرض اجنداته ويمتلك المال والسلاح .
ماالفرق بين انتخابات الزحف الكبير 2002 وانتخابات مجالس المحافظات العراقية 2013 ؟ والفاصل بينهما انهار من دماء العراقيين التي سالت ليسقط صدام وبعثه وليجلس المالكي وطائفيته على نفس الكرسي المهتز دوما وغير الثابت حكما لقصور وعدم قدرة الفاعليات السابقة واللاحقة على تفهم او فهم معنى فلسفة الحكم الحديثة كوسيله لادارة المجتمعات وبقائها اي الفاعليات الحاكمة مرتهنة لعقلية الوالي او السلطان السابق الخازن للاموال والقوي باجهزته على شعبه ومجتمعه .
الفرق بين العامين 2002 و2013 هو كالفرق بين الزيف والحقيقة , بين السوريالية والواقع الفعلي , ففي عام الزحف 2002 كان المسرح بلا جمهور بل ادوات ودمى تقدم هزلا وشعوذه وفي قمة مشاهد المأساة جلس عزة الدوري السابق يعلن النتيجة باسما ضاحكا مهنئأ صاحبه بال 100 بالمية !! اما عزة الدوري الحالي وبقية اتباع ال 100 بالمية فقد قلبوا عاليها سافلها اليوم وفي انتخابات 2013 بالتفجيرات والترهيب والتقتيل اولا , وبأتهامات التزوير وعدم الشرعية وبطلان انتخابات لم يساهموا بطبخها ثانيا .
رغم كل ما دار ويدور من ترهيب وترويع وترغيب بعدم المشاركة بواسطة حلاوة لسان يبرع فيها احيانا الجزء الاكبر المخفي من اتباع النظام الفاشي السابق واللذين استبدلوا زيهم الزيتوني السابق بألوان احزاب هذا الزمان والوان زاهيه اخرى لمعارضة ليبرالية الشكل ولكن التوجه واحد لعقول التفكير الفاشي الدكتاتوري وهو ثني هذا الشعب الاعزل المتصبر عن فهم المبدأ الديمقراطي والذي معناه بالمطلق انتقال قوة السلطة ونفوذها اليه هو اي لهذا الشعب الذي سيقرر في كل وقت من سيوليه ادارة الدوله ومراكزها وسيعزل من يثبت تقصيره او تنتهي مدة انابته , وهذه الحقيقة البسيطة الساطعة الراسخة لن يفهمها ابدا عزة الدوري كما لم يفهمها قائده الملهم الضرورة .
لم تكن انتخابات 2013 مثالية تماما ولا حتى نسبة المشاركة التي تمثلت بثلث الناخبين هي مرضية ولكن الواقع يقول انها حقيقية وشرعية وعلامة على طريق وعر وشاق وطويل اسمه حق تقرير المصير للشعب ان لم يكن اليوم فغدا وما يحصل حاليا من اقتتال وشد وجذب على وفي طول البلاد وعرضها ماهو الا انعكاس واضح لهزيمة القوى الفاشية الساعية لاستغلال اخطاء سلطة الفساد والطائفية والتخلف القائمة لاعادة عقارب الساعة الى الوراء والعودة الى زمان ال100 بالمية والفرح بدجاجة الحصة التموينية وكأن افة الشعب النسيان!! .
مبدأ المؤسسات والأنتخابات هو الصح والباقي تفاصيل كالسير بعربه على طريق ترابي غير مبلط مليئ بالعثرات والحفر وما دفعه الشعب العراقي من اثمان من الدم والنفس والمال والزمن في سبيل ترسيخ حق الاختيار بواسطة صناديق الاقتراع , يحاول البعض افراغه من مضمونه حاليا ولاحقا ولكن السير المتواصل بطريق الديمقراطية والحرية سيقلل شيئا فشيئا هذا الزبد الفاسد الذي طفا ولطخبأسم العملية السياسية التوجه المجتمعي نحو حكم المؤسسات المنتخبة والذي لم يرضى ولم يحالفه الحظ في انتخابات مجالس المحافظات 2013 ماعليه الا ان يأخذ العبرويتوجه بأنظاره نحو العام 2014 والأنتخابات النيابيه القادمة والتي هي بالضرورة اكثر تأثيرا وتنافسا لانها تخص المجلس التشريعي وعسى ان لاتترك الساحة مرة اخرى للطائفيين والمال السياسي المفسد وعسى ان تتفهم اصوات المقاطعة ان كانت نبيله القصد والمغزى من اجل عراق اتحادي واحد , فالبديل هو الفوضى ومزيد من الاقتتال الذي لن يؤدي الا لنتيجة واحدة وهي التشرذم والتقسيم وفي ذلك فائدة فقط لقوى الفساد والطائفية والارهاب والفاشية الدينية والقومية .
|