بين اغتيالين

اكدت مختلف الشرائع والقوانين على حق الانسان في الحياة ونهت عن القتل الا في حياة معينة كالدفاع عن النفس او الدفاع عن الوطن وغيرها من الحالات التي ابيح فيها قتل بعض الناس تحت ظروف معينة ولأسباب معروفة على ان يكون ذلك خاضعا للطرق القانونية وان يتم تنفيذه على يد سلطات معروفة ومختصة ، ولكن ونتيجة لأسباب كثيرة فقد انتشرت عمليات القتل المختلفة على مر الازمنة وكان معظم من يقومون بهذه العمليات ينظرون لها على انها عمل مشروع له اسبابه الوجيهة التي قادتهم الى القيام به ، فهل يمكن لنا ان نقول عن بعض عمليات القتل وخاصة التي تستهدف رموزا معينة والتي تجري هنا او هناك بانها مشروعة ومبررة لإنها جاءت تحت ظروف معينة رغم انها في العادة لا تخضع الى القانون وتنفذ من قبل اشخاص تحركهم افكارهم الشخصية او افكار الجماعات التي ينتمون لها ؟ ذلك ما سنحاول الاجابة عنه في هذا المقال من خلال المقارنة بين عمليتي اغتيال استهدفت إحداهما زعيما اسيويا واستهدفت الاخرى زعيم احدى الدول الاسلامية .

بين المهاتما غاندي الزعيم الهندي الشهير وانور السادات الرئيس المصري الاسبق فروقات كثيرة اذ ان كلا منهما عاش في بلد مختلف وثقافة مختلفة عن بلد وثقافة الاخر ، لكن هناك قاسم مشترك بينهما وهو العمل في مجال السياسة فالاول حكم بلاد الهند والاخر حكم مصر ، ومما يجمع بينهما ايضا هو ان كل منهما تعرض لمحاولة اغتيال ادت الى مقتله ، ورغم ذلك فإنه يمكننا فإن هناك فرقا شاسعا بين الرجلين اذ ان الاسباب التي ادت الى مقتل احدهما تختلف اختلافا كبيرا عن الاسباب التي ادت الى مقتل الرجل الاخر ، فغاندي كان محاميا تبنى سياسة اللاعنف في وقت الذي كانت تعصف فيه اعتى الصراعات والخلافات الدينية والاثنية بشبه القارة الهندية وخاصة بين الهندوس والمسلمين بعد ان عمل المحتل الانجليزي على زرع هذه الفتن والصراعات ، ورغم انه كان ينحدر من اصول هندوسية الا ان غاندي الذي حكم بلدا ديمقراطيا بحجم الهند دعى الى اتخاذ طريق السلم في حل النزاعات والصراعات بين المجموعات البشرية المختلفة داخل امته مما اثار نقمة المتطرفين عليه وخاصة من ابناء جلدته فحقدوا عليه واضمروا له الشر بعد ان محت الاحقاد اثر الرحمة من قلوبهم فاندفع احدهم ويدعى ( ناثورام ) فأصاب غاندي وارداه قتيلا فذهب الرجل فداءا للمبادئ الانسانية التي دعى إليها وناضل في سبيل تحقيقها لسنوات طويلة . أما بالنسبة لانور السادات فقد كانت الظروف والعوامل التي ادت الى اغتياله مختلفة تماما عما ذكرناه في حادثة اغتيال غاندي ، فالسادات كان عسكريا تمكن من التربع على السلطة هو ومجموعة من العسكر عن طريق غير ديمقراطي ، ولا يمكن لنا ان نشبهه بغاندي كما قد يحلو للبعض ان يفعل كونه حاول ان يقرب بين مجموعتين بشريتين متصارعتين بعد ان قامت إحداهما بإغتصاب اجزاءا من اراضي الاخرى وقتلت من ابناءها الكثيرين وشنت عليهم الحروب المتواصلة وهؤلاء هم ( الصهاينة ) الذين ظلموا وقتلوا العرب والمسلمين تدفعهم في ذلك احقادهم ولا شيء سواها ، وفي الوقت الذي كان الصراع على اشده  فاجأة السادات العالم عندما مد يده لإعداء قومه في الوقت الذي لم تسترد فيه الحقوق بعد ولما يحل شيء بعد من المشاكل الكثيرة العالقة بين المجموعتين البشريتين خلا استرداد بعض الاراضي التي كان الاعداء قد احتلوها في عدوانهم الظالم ، ولم يكن الناقمون على السادات بعد توقيعه لمعاهدة الذل والعار هم مجموعة متطرفة او صغيرة داخل المجتمع العربي والاسلامي بل يمكن القول ان غالبية الشعوب العربية والاسلامية كانوا من الناقمين عليه والساخطين على فعلته بسبب رضوخه للعدو ، ولعل الالاف من الشباب المسلمين تمنوا لو انهم امسكوا بذلك السلاح الذي امسك به ( خالد الاسلامبولي ) الشاب المصري الذي اردى السادات قتيلا بعد حادثة شهيرة . ان عدم تحقيق مطالب الجماهير وتسخير الحكم والسلطات لصالح شخصية واحدة او فئة معينة دون باقي افراد المجتمع يمنح أي عملية اغتيال شرعية ويجعلها مباركة من قبل الجماهير والشعوب فحينما تعجز السبيل السلمية عن استرداد الحقوق تصبح بعض انواع العنف المبررة في نظر الناس وحتما سيعدون أي عمل يقوم به الانسان حتى لو كان خارج الاطر القانونية على انه عمل مشروع يهدف لتحقيق امالهم واسترداد حقوقهم .