الحرب الاقتصادية واستخدام النفط كسلاح

تشهد أسواق النفط العالمية حربا في الأسعار بشكل لا يمكن إرجاعه إلى أسباب اقتصادية فقط، ومن يتابع تطورات أسواق النفط منذ عام (2010) إلى اليوم يستنتج الخلفية الجيوسياسية لصراعات الخصوم حول أسعار تلك المادة، كما أن أي انحدار في أسعار النفط له تداعياته الاقتصادية والسياسية لارتباطه بالمشهد الإستراتيجي خاصة في الشرق الأوسط وانعكاسات ذلك على موازين القوى الدولية.
ففي شهر نيسان (2016) كان هناك اجتماع في العاصمة القطرية الدوحة، بهدف الاتفاق على استقرار أسعار النفط، وقد شارك في هذا الاجتماع ممثلون من (18) دولة إضافة إلى روسيا. وكان محور الاجتماع هو تجميد إنتاج البترول بالمستوى الذي يحقق استقرار الأسعار، غير أن إيران رفضت تجميد مستوى الإنتاج ما دام إنتاجها لم يصل بعد إلى مستوى ما قبل عام (2011)، أي قبل تشديد العقوبات عليها، وللتعبير عن غضبها من ذلك رفضت المملكة العربية السعودية التوقيع على اتفاقية التجميد واعتمدت إستراتيجية إغراق السوق على المدى القصير من أجل تقوية موقفها على المدى البعيد. وعلق على ذلك خبير الشرق الأوسط (سونس): "هنا لا يتم التعامل مع سلاح النفط من منظور: يجب تقوية مكانتنا في الأسواق، ولكن أيضا من منظور: نحن نسعى إلى وقف العدو اللدود والمنافس رقم واحد عند حده، والمقصود هنا هي إيران".
كما إن الباحث في الدراسات الاقتصادية (توماس ماير) يرى أن النفط يستخدم الآن كسلاح. لكنه هذه المرة ليس موجها ضد المستهلك في الغرب، وإنما تجاه المنافسين المزعجين والجيران السياسيين والخصوم.
وكان بداية استخدام النفط كسلاح عندما استخدمت الدول العربية في أوبك والدول اليسارية النفطية كالاتحاد السوفيتي مادة النفط سلاحاً إستراتيجيا سنة (1973) للضغط اقتصاديا على الولايات المتحدة الأمريكية وابتزازها سياسيا وستمر ذلك لفترة، بعدها قررت الولايات المتحدة اتخاذ حزمة من الإجراءات الصارمة مكونه من مجموعة تدابير اقتصادية كاتخاذ خزين إستراتيجي قومي وإجبار الشركات على إقامة خزين خاص بكل منها ومنع تصدير النفط إلى خارج الولايات المتحدة كنوع من الاحتكار وتلك كانت نهاية التحكم الشرقي بمادة النفط وبداية استخدام الولايات المتحدة لهذه المادة كسلاح للضغط على الدول التي تعتمد عليه كإيراد لتمويل نفسها ومشاريعها ، وبعد ذلك كانت أزمة اﻻسعار سنة (1987) لتنهار أسعار النفط بشكل رأسي عن طريق إغراق السوق من قبل حلفاء الولايات المتحدة بالأخص دول الخليج العربي على رأسها آنذاك السعودية والكويت و اﻻمارات مما جعل سعر النفط يبلغ (7) دولارات فقط،، أفلس على أثرها الاتحاد السوفيتي ومات سريرياً لينهار رسمياً سنة (1991)، وبعد ذلك انفردت واشنطن لتقود حرباً اقتصادية على أي بلد يخرج عما هو مرسوم وذلك بمساعده الحلفاء، وبخصوص ذلك قال الخبير (أنتونيو سان ريز): إن التلاعب بأسعار النفط أضحى سلاحا للضغط السياسي تقوده الولايات المتحدة وكلما احتدم الصراع في الشرق اﻻوسط حول ملف سياسي حساس ستستخدم أمريكا النفط لابتزاز الدول الريعية النفطية. ويضيف المستشرق الروسي (فيتشسلاف ماتوزوف):إن الولايات المتحدة اليوم هي من أهم المنتجين للغاز والبترول، والاكتفاء الذاتي هو ما يميز الاقتصاد الأميركي فهي لم تعد بحاجة كثيراً للاعتماد على الغير، وأضاف: إن الدول العربية تلعب دوراً واضحاً في هذه المعركة الجارية اليوم على الساحة الدولية.
ويمكن القول بما أن الصراع السياسي باقي سيستمر مسلسل انهيار أسعار النفط كل فترة لغرض الضغط عل الخصوم السياسيين لابتزازهم وإضعافهم اقتصادياً مما يضطرهم لتغير
إستراتيجياتهم. كما يجب أن نوضح بأن النفط سلاح ذو حدين يؤذي الحلفاء مثلما يؤذي  خصومهم بسبب زيادة الإنتاج وتراجع الأسعار فلكل يخسر بشكل أو بآخر، لكن بالنسبة لبعض الدول مثل المملكة العربية السعودية تعتبرها معركة دفاعية لتحصين المملكة في المواجهة المصيرية الراهنة ورغم معاناتها من تداعيات انهيار اسعار النفط الخام فهي تحاول تجاوز المرحلة بالاستفادة من ضخامة احتياطيها النقدي وعبر ترشيد الإنفاق وتنويع مصادر الدخل وخصخصة جزئية لبعض الشركات ورغم ذلك تشير تقديرات وكالة (ستاندرد آند بورز) للتصنيفات الائتمانية إلى أن المملكة ستشهد عجزا في الموازنة عند متوسط 9% من الناتج المحلي الإجمالي بين 2016 و2019.