كان فيما مضى من حكم الانظمة السابقة التي مرت على حكم العراق قمع واستبداد وطغيان ومصادرة للحريات , لكن يقابلها من الشعب العراق اغلبه وليس كله , اصرار وعناد , وصبر وصمود , وان كان لا يرتقي الى مستوى الثورة العنفية , الا انه كان فيه لذة التحدي , الذي يقلق الطغاة , وحتى وضعت الدكتاتورية اوزارها في عام الفين وثلاثة , وبدأ عهد الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وزوال الاستبداد والطغيان , وبدأت اغلبية الشعب تفقد عنصر التحدي , على اعتبار اننا نستطيع الحصول على حقوقنا من خلال ابداء الرأي , وتشخيص العلة ومعالجتها بوسائل ديمقراطية , ومن بينها التظاهرات السلمية التي تعبر عن رفض اي مشروع لا يصب في الصالح العام . لكن الشعب اصطدم بقضية اكبر, الا وهي قضية " قل ما عندك وتظاهر ضمن حدودك القانونية , وعبر عن رأيك بكل الوسائل المشروعة " وانا حر بالاستجابة . فأن شاءت السلطة ان تستجيب , وان شاءت تمتنع . اما انت فلقد مارست حقوقك وقلت كلمتك وانتهى . طبعا هنا انتهت المسألة , تظاهرت واعتصمت , وقلت وكتبت , وكل ما اردته عبر وسائل الديمقراطية فعلته . ولم يبقى لديك سوى سلاح واحد تستخدمه كل اربع سنوات , وحتى سلاحك هذا وهو " التغيير" تمت معالجته من خلال المؤسسة التي تشرف على الانتخابات , فهي قد جاءت عن طريق السلطة , والسلطة تديرها الاحزاب , والاحزاب تتحكم بالمؤسسة المشرفة على مستودع السلاح الذي تنوي استخدامه . اذن حتى هذا السلاح " التغيير عبر صناديق الاقتراع " تمت معالجته . اذن انت فقدت عنصر التحدي الذي كان سلاحك ابان حكم الانظمة الديكتاتورية . وانت ايضا فقدت اسلحتك التي تتيح لك النصر, وفقا للعبة الديمقراطية. اذن ماذا نفعل ؟. تعالوا لنقرأ تاريخ الشعوب , ولنركز على تاريخ شعب مصر حينما كان جمال عبد الناصر يدير دفة الحكم . .غالبية الشعب المصري ,كانت تؤيد وتساند الرئيس جمال عبد الناصر , وما يدل على ذلك حينما خسر حرب ال 1967م , عندها اعلن استقالته , خرج غالبية الشعب واعاده الى الحكم ورفض استقالة عبد الناصر. لكن ماذا فعل الرافضين لجمال عبد الناصر, وهم غير قادرين على مجابهة الشعب الذي يريد عبد الناصر رئيسا لمصر؟. اتجهت هذه الفئة القليلة الى اسلوب هاديء وخفيف , ويدخل البهجة الى قلوب غالبية الشعب المصري التي تقف الى جانب الزعيم , الا انه بذات الوقت كان يخرج هذا الاسلوب , حب جمال من قلوبهم , الا وهو اسلوب النكتة الهادفة التي تهدم هيكل عبد الناصر, الذي بناه في قلوب الناس , وتجعل منه سخرية , حتى قيل ان عبد الناصر طالب ذات يوم من الشعب ان يترك النكتة لانها اضرت بالنظام السياسي الذي جاء من اجلهم . اليوم نحن العراقيون عاجزين , ولا تتوفر لنا اسباب نستطيع من خلالها ان نزيح هؤلاء الذين هيمنوا على مقدرات الشعب , فلا ثورة ,(( خصوصا ان شعبنا معروف بتاريخ الثورات )) , ولا انقلاب عسكري , لانه لن ينجب التاريخ لنا مثل عبد الكريم قاسم مرتين , ولا قضية تجعلنا في حالة تحدي , تولد لنا الاستجابة , ولا اسلوب واحد من اساليب الديمقراطية يحقق لنا مطاليبنا . اذن لم يبق سوى اسلوب النكتة الهادفة , فهو اسلوب غير مكلف لا بالأرواح , ولا بالمعدات , ولنهدم هيكل من جاء بعد عام 2003م بأسلوب السخرية , وعليكم بالنكتة .
|