خلف ظهر المسؤول

 

 لا اتذكر في الواقع اية تفاصيل عن ذلك اللقاء الذي ضم المسؤول باشخاص لا اتذكر من كانوا،ولا المناسبة التي جمعتهم.كل ما اتذكره هو القاعة الفسيحة نوعا ما، والمسؤول يجالس ضيوفه وخلفهم شيء ساحر انيق صرفني عن الانتباه الى الجالسين جميعا.كانت هناك مكتبة من خشب صقيل لامع بواجهة زجاجية براقة ككؤوس القياصرة تضم مجلدات ضخمة انيقة مصففة بانسجام،وترف واضحين.نظرت الى المكتبة وتذكرت بورخس الذي كان يعشق الكتب الى درجة كبيرة.وتساءلت ماذا تفعل الكتب في مكان مليء بكلام السياسة واجوائها.ما علاقة الكتاب بحياة السياسي..؟وهل وجدنا اي ضوء نوراني انتقل من كتاب الى قلب احد السياسيين.طيلة ثلاثة عشر عاما وانا لا اسمع الا كلاما عابرا يقال دون ان يكشف عن شخصية قائله.  ساقول شيئا محددا:انا احسد السياسيين على شيء واحد فقط،واتمنى ان احصل عليه،واعتز لو اني امتلكته،ذلك الشيء هو الكتب التي يضعونها خلف ظهورهم كما يضع الانسان الوسائد خلفه ليستند اليها.  دائما ما تكون خلفية المشهد مكتبة،لماذا.؟لانها خلفية رائعة تدل على ان اللقطة تعني ان السياسة تغتسل بالمباديء وبنور الثقافة الذي لا ينطفيء.  نعم انا احسد السياسيين جميعا لانهم يملكون كل هذه الافكار،والفلسفات،والمشاعر مجمدة وراء زجاج مكتبة من خشب الصاج تثير في قاريء مثلي حزنا عميقا،وحسدا جارفا لامتلاك تلك الثروة المنسية تماما في عالم سياسي لا يفكر الا بالغلبة وسحب الثقة،والاتهامات التي لا تنتهـي. الشــــيء الذي يثير استغرابي هو اننا لم نسمع من سياسي انه اعترف لنا ان كتابا من الكتب جعله يتساءل او يفكر او يحزن لان فرصة من الفرص ضاعت من يده.  الكتب هي اكثر الاشياء تفاهة،ولا تعني شيئا لان الانسان في احيان كثيرة يظن انه متكامل كشجرة جوز،ويقوم بوظيفته على اكمل وجه.وكما ان قطف ثمرة غير ناضجة لا يعني ان شجرة الجوز مخطئة ولكن الخاطف هو من افسد الثمرة بقطفها قبل اوان نضجها،فكذلك السياسي يحس ان هناك من يفسد ثماره،ويحاول ان يقطفها للاساءة اليه. الســياســيون يتعرضون على الدوام لهذه المشكلة وهي ان هناك من يعمل ضدهم في الداخل،وهناك من يعمل ضدهم في الخارج.وكل هؤلاء يسقطون ثمارهم غير الناضجة.  انا ايضا من جانبي اعمل ضدهم لكن باسلوبي الخاص.فانا ادعو الله دائما ان احصل على كل الكتب الموجودة في غرف السياسة او الاجتماعات او صالات الاجتماعات.اتمنى ان التقي في يوم من الايام شخصا يقول لي:تحققت امنيتك،مكتبة فلان السياسي للبيع،فاتساءل واين ذهب هو من دون مكتبته.؟فيقول لي دعنا من هذا الان،وتعال لترى الكتب التي كانت تسجن خلف زجاج صقيل ككؤوس القياصرة اللامع.