تداخل المسؤوليات الأمنية وتضارب إجراءاتها

 

لا ريب ان المواجهة بين التحديات الارهابية واجهزة الدولة في سياق مكافحتها قد بلغ الذروة في استنفار امكانات كلا الطرفين تحسباً لما تقوم به قوى الارهاب من تفجيرات في المدن العراقية ولا سيما العاصمة بغداد في حين تنفذ الاجهزة الامنية العراقية اجراءات واسعة النطاق في التصدي لهذا التحدي الخطير الذي دأبت على مواجهته منذ سنوات طويلة ولكن من دون الاعتماد على خطط استخبارية استباقية لتقويض الاعمال الارهابية ومن ثم ضربها في مهدها والسبب يعود بالتأكيد الى ضعف الجهد الاسخباراتي الذي تقف وراء ضعف ادائه اسباب كثيرة وأولها تداخل المسؤوليات الامنية كما اشار الى ذلك وزير الدفاع العراقي المثير للجدل خالد العبيدي في وقت سابق وقد اثيرت مظاهر الضعف هذه والبادية للعيان مرات عديدة من قبل المحللين الأمنيين والعسكريين مشيرين الى تعدد الاجهزة الاستخباراتية وغياب التنسيق فيما بينها وعدم مقدرة الجهات المعنية على ايجاد قيادة موحدة لهذه الاجهزة التي عرفت بضآلة فعاليتها بسبب تشتت مسؤولياتها التي جعلتها اقرب الى التضارب منها الى التنسيق وعدم توفر اجهزة الكشف عن المتفجرات الحقيقية مستعينين عوضاً عنها بأجهزة زائفة وغير فعالة وهي نتاج لصفقات الفساد التي ابرمت في اوقات متفاوتة حيث احيل بعض المسؤولين عن استيرادها الى التحقيق مرات عديدة ولكن بلا جدوى وحتى رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي امر بسحبها بعد تفجيرات الكرادة واعادة التحقيق في عمليات استيرادها وما شابها من فساد لا لبس فيه لم يعد بأمكانه مساءلة هؤلاء المفسدين وانزال القصاص بهم والحقيقة ان قرار العبادي بسحب هذه الاجهزة  يأتي من باب ذر الرماد في العيون لا غير وليس ثمة حكمة من سحبها ما دامت الدولة غير قادرة على توفير بديلاً عنها يلبي متطلبات التصدي لموجات التفجير ووسائله التي اتسمت بالتخطيط والدقة وتخطي السيطرات الامنية المزودة بهذه الاجهزة ومن ثم الوصول الى قلب بغداد وضربها بلا رحمة ولا هوادة كما جرى في مجزرة الكرادة والتي افصحت بالمقابل عن امكانات الطرف الارهابي في التدبير والسيطرة وابتكار وسائل جديدة في عمليات التفجير وحري بنا هنا بل من المفيد جداً ان نلقي نظرة متفحصة على حادثة تفجيرات الكرادة لنتبين حجم ونوعية التدابير المتخذة من قبل الارهاب في تحقيق اهدافه إذ تفيد التقارير التي تناولت بالتحليل المعمق من قبل خبراء عالميين الى ان (الحرق والانصهار الذي حصل في انفجار الكرادة ناجم عن قنبلة نيترونية مصغرة مع خليط من الفسفور يولد حرارة ولهباً عالياً ومستعراً وانفجاراً قطرياً وهو ما حدث تماما وقت الانفجار حيث امتدت النيران على جانبي الطريق بشكل سريع جداً دون ان يترك الانفجار أي آثار حفر في الشارع كما يحدث في العادة وفي السيارات المفخخة العادية وتؤكد التقارير ان هاتين المادتين عادة ما تنقل بواسطة اسطوانات رصاصية مخروطية الشكل وتحفظ في براد لذلك فأن انفجار الكرادة حدث بواسطة سيارة براد وليست سيارة مفخخة كما يحدث في العادة وان عملية نقل هاتين المادتين لا تتم الا بظروف خاصة واشراف مختصين كيميائيين يتابعون سير العملية والوسيلة التي تنقل بها المادتين حيث ان درجة ايقاد الفسفور الابيض هي17  درجة مئوية وهي لا تتناسب ابداً مع درجة الحرارة في بغداد وفي شهر تموز الملتهب والفسفور الابيض او قنابل النابالم هما نوع من القنابل الحارقة والمصنوع من نوع وقود خاص ويهدف تركيبها الى الحاق حروق تلتصق بالاشخاص والاجسام المختلفة حيث ينجم عن انفجار القنبلة نشر مزيج لزج يلتهب مباشرة مشعلاً حرائق يستحيل اخمادها وهذا ما يوضح بقاء الحريق لليوم الثاني من الانفجار بالرغم من محاولات سيارات الاطفاء لاخماده بالاضافة الى نشره لسحابة من الوقود الملتهب وهو المتسبب الرئيس في اختناق ضحايا الانفجار مسبباً لهم الغثيان قبل ان تصل اليهم النيران وتفحم اجسادهم ما يؤكد ان خلف هذه الفاجعة دول ذات امكانات عالية). ونستنتج من ذلك كله ان التحديات الارهابية في تفجيرات بغداد وعلى وجه اخص تفجير الكرادة يفصح عن تحدي كبير ويكشف عن وجه سافر وخطير للارهاب في العراق وبالتالي يتطلب الامر توحيد الجهد الاستخباري العراقي والمعالجة الجدية والسريعة للارتباكات الاستخباراتية التي من شأنها ان تعطل القدرة الاستباقية لكشف وتعطيل أي تفجير قبل حدوثه وهو الجهد المطلوب قبل غيره في العمل الاستخباري اذ ما فائدة المعالجات التي تجري بعد عمليات التفجير التي تزهق ارواح الضحايا وتفتك بالمئات منهم .

وبإزاء هذا التحدي الخطير لا بد ان تتجه الجهات المعنية الى ايلاء الاهتمام العاجل بالقطاع الاستخباري والبحث عن الخبرة والاختصاص في هذا المجال والاستفادة من الخبرات العالمية واجهزة الرصد والكشف الاستخباري الحديثة والتعجيل في استيرادها لترصين الجبهة الداخلية اسناداً لما ينجز في قواطع العمليات وتجنيب ابناء شعبنا فواجع اخرى يصعب التكهن بها .