قال ارسطو في يوم ما ” شر الناس هو ذلك الذي بفسوقه يضر نفسه والناس ” والفسوق في العراق أصبح سنة وعقيدة بعد أن تقاعست الدولة عن واجباتها في التصدي له , ومع مرورالوقت يستشري الفساد المالي والاداري في مؤسسات الدولة ولم نسمع من اية جهة رسمية أن الفساد آخذ بالتقلص والزوال، حتى صار الأمر يتطلب وقفة وطنية واسعة وحشدا شعبيا لمواجهته، إن ماحدث قبل ايام بأصدار عقوبة السجن لمدة سنة على طفل لأنه سرق اربع او ست علب كلينكس يعطي أنطباعاً أن القانون يطبق حرفياً في العراق وأن كل المتهمين في السجون نالوا عقابهم على وفق القانون، بينما واقع الحال غير ذلك تماماً.

 

نسمع بين حين وآخر تصريحات لرئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي عن محاربة الفساد والتصدي للفاسدين مهما كان الثمن، لكننا في الواقع نرى تماهلا من قبل القضاء وهيئة النزاهة في مهمتهما بإحالة ملفات المفسدين الى القضاء والحكم عليهم واعلان الأحكام على الملأ. إن التستر على الفاسدين تحت أي سبب لن يوقف مسلسل الفساد والمفسدين الذين يتكاثرون مثل خلية النحل بعد أن غاب الحس الوطني والرادع الديني فيهم وأمنوا العقاب، لقد استسهلوا الأمر وأعتادوا عليه ، بعضهم يقبل الرشوة تحت “شعار هي ظلت عليَ”.

 

صار الفساد منتجاً وولاداً أصنافا من البشر لا صنفا واحدا، إن لم يردعوا بقوة القانون سيستعصي على الدولة والحكومة ومنظمات المجتمع المدني والأجهزة الرقابية مجتمعة ومنفردة أن تشفي هؤلاء من علة الفساد.

 

كنا نتوقع من هيئة النزاهة كونها الجهة الرقابية المتنفذة في البرلمان أن يكون لها صوت اعلى ورقابة اكبر وإعلام اوسع في صيانة اموال العراق والكشف عن المفسدين. نسمع في الأعلام احيانا تصريحا من هنا وآخر من هناك عن أحالة  قضية فساد الى القضاء لكن ماذا بعد لا احد منا يعلم ما اذا كان القضاء قد قال كلمته الفصل في القضية أم إنها ركنت تحت أدراج المكاتب يتحت ضغط هذه السفارة وتلك.

 

حتى الآن للأسف الشديد لم يطلع المواطن على اي قضية فساد كبيرة نال جزاءها الفاسد العقاب المناسب لجريمته، كيف لنا أن نفسر ذلك وما هي الأسباب التي تدعو للتستر على الفاسدين والمفسدين في المجتمع برغم تعدد جهات الرقابة وتنوعها، دائرة المفتش العام والرقابة المالية وفي قمة الهرم هيئة النزاهة.

 

هل المطلوب توسيع قاعدة الفساد أم ماذا ، ولما الخوف من هؤلاء ، هل من المعقول ان تعجز الحكومة والبرلمان عن التصدي لهذا الملف بروح المسؤولية الوطنية ومنع انتشاره؟ ، من المؤكد لا .. اذن هل الوقت غير مناسب، وان يكن أكشفوا الملفات وأجعلوا القضايا المكتسبة للدرجة القطعية في الأقل أجعلوها تحت أنظار الناس وسمعهم.

 

ولكي تضمن الدولة نجاحها في مواجهة الفاسدين يجب أن تفتح عليهم كل ابواب جهنم في حملة وطنية واسعة تبدأ من المدرسة وتنتهي في شاشات الفضائيات مرورا بالقضاء الذي يجب ان يمارس دوره المسؤول في اتخاذ القرارات والأحكام بما يتناسب مع كل جريمة.