سبحان محول "الكجرات" الى "دجاج"!!






"الكجرات" مشروب رائع اعتدت على شربه منذ سنوات, ويمتاز عن الشاي الأسود العادي بمزايا كثيرة, فما ان تكتب اسم هذه العشبة في محرك الـ google الشهير هو الآخر, وبنقرة واحدة سريعة؛ تنتقل الى عالم "الكجرات" الواسع وفوائده الكثيرة, وأسمائه المتعددة. ممكن ان يتحول هذا الشاي الاحمر ذو الرائحة العطرة الى مشروب بارد بعد ان تضعه في الثلاجة, شرط ان تكون  ممن تتوفر لديهم الكهرباء الوطنية! لذلك لا أفضل لكم هذا المشروب أبداً إلا كما هو, حارٌ في (استكان) وتمارسون عملية "الشفط" التي اعتدتم عليها عند شربكم للشاي العادي.

نفذت الكمية التي نستخدمها في البيت من هذا الأوراق الحمراء, التي تبدو قبل ان تغلى في الماء كالزهرة الحمراء الذابلة, وسرعان ما هتفت ام علي: "ترى الكجرات خلص من تجي بالليل جيب وياك".. بائع الكجرات في مركز المدينة, او ما يسمى هنا في مدينة كربلاء المقدسة "بالولاية" بينما نسكن انا وعائلتي بيتاً صغيراً استأجرناه مؤخراً في إحدى الضواحي المحيطة بها, والامر يحتاج الى وقت طويل للوصول هناك, فقررت ان ابحث عنه في مكان اخر, وان أجرب بائعاً آخر في مكانٍ اقرب.. وركنت سيارتي أمام احد العطارين او الأسواق كما يطلق عليها هنا, وسألته عن "الكجرات" فأجابني على الفور: "اكو بست آلاف, واكو بسبعة.!!" لم اهتم للوهلة الاولى بغلاء السعر, بقدر ما استغربت من توفره بهذه السرعة عند اول محل لبيع المواد الغذائية, فطلبت منه ان يريّني الاثنين معاً لأختار ما يناسبني منهما "ابو الستة, او ابو السبعة" فاتجه الى البراد, وهنا هتفت: "ما شاء الله صرتوا تبيعوه مبرد.. أحسن, لان الكهرباء عادة ما متوفرة..."

فأجاب: "عمي صدك تحجي هو غير يخرب بدون المجمدة!!!"

واخرج دجاجتين بحجمين مختلفين.!!! عندها ضحكت من اعماق قلبي, و أوضحت له إنني طلبت منه  "كجرات" وليس دجاجاً, فأجابني الرجل ببراءة: "جااا هو الكجرات شنو مو دجاج؟؟!!"

من حق هذا الرجل ان يخطئ مثل هذا الخطأ البسيط, لأنه يعيش في بلدٍ مليء بالأخطاء والتحولات والمسخ! فنحن في العراق نحول الفرح الى حزن, والماء العذب النقي الى ماءٍ اسنٍ ملوث, والبساتين الخضراء والمزارع الواسعة الى مدنٍ سكنيةٍ مكتظة بالسكان, وضجيج الاطفال, وزعيق النساء! كل شيء وارد هنا, وقابل للتحول, فمن الوارد والممكن ان يتحول وزير الدفاع الى وزيراً للثقافة!!! ولماذا نتحدث بالاحتمالات؟ "يا عمي سويناها وصارت" فوزير التربية بات وزيراً للصحة والتربية, ووزير الصناعة هو الاخر اصبح وزيراً للصناعة والزراعة لكي يتحمل مسؤولية القضاء عليهما معاً!! وتحول وزير العدل الى وزيراً للعدل والتجارة, وان كان العنوان مناسب نوعاً ما "وزارة العدل والتجارة" فهناك ارتباط وثيق بين القضاء والسجون والمعتقلات والتجارة!! وكذلك نائب رئيس الوزراء هو الاخر اصبح نائباً ووزيراً للخارجية ليكون بذلك (شهرستانياً هوشيارياً). وبهذه الطريقة السهلة والبسيطة من السهل جداً ان يتحول كل شيء في العراق الى شيء آخر مختلف تماماً, فالمعايير في اختيار اي رجل لمكانٍ ما مختلفة هنا تماماً عن سائر دول العالم.

الرجل البائع حول الكجرات الى دجاجة بفطرته وببساطته التي ورثها من آبائه واجداده وارضه التي انبتته, ولكن الاخرين يستغلون هذه البساطة فيحولون كل شيء حسب رغباتهم ومصالحهم.