رحلة مع (( قافلة العطش )) رسالة إلى الإله اختياراً .. د.ضياء غني العبودي

 

 


ارتبطت اغلب القصص في المجموعة القصصية بالعنوان الرئيس للمجموعة ـ قافلة العطش ــ وكانت أكثر الشخصيات الرئيسة في هذه القصص هي شخصيات ملتزمة بوجهة نظر القاصة ,وهي تمثل رؤيتها التي تحدد بها طبيعة المادة القصصية, فالرؤية هي الطريقة التي اعتبر بها الراوي عند تقديم الاحداث، وقد وزعتها على قصصها المختلفة , وكانت وجهة النظر هذه تحاول أن تؤطر الحب بمفاهيم جديدة بعيدا ً عن أعين الرقيب الذي يجتهد بإجهاض كل خطوة تحاول ان تقترب من سلطة الخير والجمال , وقد أخذت القاصة على عاتقها تحقيق وجهة النظر هذه ولو على مستوى الفن الذي يريد أن يكون مغايرا ً وهو يقوم بفعل التغيير لا التفسير , من خلال بث ايديلوجيتها الفنية في ذهن أبطالها الذين حققوا حلم القاصة باجتهادهم وهم يحاورون القوى التي تردعهم عن مشروعهم الذي يؤمنون به,فقد عكفت القاصة على إثارة سؤال الهوية وسعت للإجابة عليه عبر رصد الذات وأفعالها وأوصافها, فالمجموعة التي بين أيدينا حاولت ان تطور مفهوم المرأة بحقليه البيولوجي والثقافي, لاسيما أن أغلب الشخصيات الرئيسة في المجموعة هي من الجنس الأنثوي, كما في قصة ــ قافلة العطش, الفزاعة, امرأة استثنائية , تحقيق صحفي, النافذة العاشقة ــ وجا اختيار المرأة بطلة في القص بصورة مكثفة لتحقق وجهة النظر التي تشتغل عليها القاصة سناء شعلان, وهي تحاول أن تخرق ما هو معتاد في مجتمعها وإعطاء المرأة دورا ً رياديا ً في صنع هوية جديدة لاسيما في المستوى الإجرائي. وكانت الشخصيات الرئيسة في النصوص غير معرفة ولا تحمل أسما ً معينا ً, والتنكير للأسماء لوحده إستراتيجية لسانية توظفها القاصة لتخرج شخصياتها من عالم ضيق ومحدد إلى عالم يسع ما تنادي به ؛لأنها أرادت أن تخرج من عالم الفردانية البسيطة إلي عالم الجماعة, لاسيما أن التنكير للشخصيات يعطي دلالة الكثرة والإجمال دون دلالة النوع,فضلا عن ذلك فالتنكير ينوع المصاديق ويجعل الشخصية أو الشخصيات عبارة عن أفكار مشخصة , إذ السرد لا يشتغل دون أن تكون هناك شخصية أو ملامح شخصية تؤدي الأحداث وتشغل الزمان والمكان  .
لقد حاولت القاصة ان تنطلق من البناء الأسطوري المقدس المتمثل بأسطورة زيوس الذي يُلقَّب عند الإغريق بـ "أب الآلهة والبشر" أو كما في معتقدات الإغريق الدينية هو أب الآلهة والبشر. كلي القدرة يرى كل شي ويعلم كل شيء ويوزع الخير والشر بين البشر   .الذي ارتبط بكثير من الأساطير حول النساء اللاتي قام زيوس بمعاشرتهن، سواء كانوا زوجات شرعيات أو عشيقات.كانت هناك تصورات كثيرة لزيوس إلا أنها لم تتشكل في نمط إلا في بدايات العصر القديم، وكانت تصوره يحمل الصاعقة بيده أو أحيانًا يوقف نسرًا على يده .هذه التصورات الأسطورية انطلقت منها سناء شعلان نحو نص مضمر لتعبر عن تصورات توارت خلفها لتعبر عن واقع يتهرب اغلبنا من الإشارة إليه .(( قليلٌ هم من يجرؤون على السخط على الإله ، لكنها سخطت عليه )) هذه إشارة إلى القمع أو الطبقة المهمشة التي لا يمكن لها تتجرأ لتتحدث إلى السلطة ، وتعبر عن نوازعها أو ابسط أحلامها في الحياة ، لكنها بما تمتلك من الشعور بالألم والحنق واليأس استطاعت ان تنطق بكلمة حق عند سلطان جائر . ان القاصة بما تمتلك من ثقافة موسوعية استطاعت ان تقدم نصا مغايرا للأسطورة ، فأذا كان زيوس يمتلك شخصية أخلاقية ، يوزع الخير والشر بين البشر رقيقاً عطوفاً ، قادراً على الشفقة ، جعلته القاصة يقدم الموت بديلا للحب ، تماشياً مع الوقت المعاصر الذي كثيرا ما يمنح الموت للطبقات المسحوقة   .
ان صورة الإله زيوس لم تفارق صورة الحاكم الذي يتحكم برقاب الناس ، في حين تعيش الرعية في حالة من الحرمان الكلي . ان هذا الشكل الفني في التراث العربي والأجنبي على مدى العصور وجد من يحاكيه، لأنه يحمي المؤلف من البطش الذي يمكن أن يصيبه ويصيب نصه جراء ما فيه من نقد للسلطة والمجتمع، مجتمع تعرض لنظم حكم استبدادية سافرة، شبه مقدسة، لا تحفل بمصلحة الرعية .لان استتباب الأمر لزيوس صيره سيدا مهيمنا لا يستطيع أن يقف في وجهه أحد، التفت إلى حياة البهجة واندفع وراء ملذاته وقد اطمأن إلى أنه لا منافس له . 
لم تكن حاجة الفتاة (الشعب ) إلا إلى الحب الذي يكمل إنسانيتها ويجعلها تشعر بانوثتها (( لقد تضرعت إليه طويلا ، والى ابنته إلهة الجمال افروديتي والى اله الحب كيوبيد ، كي يهبوها حباً واحداً فقط )). ان ثقل التعاسة ووطأتها جعلها تكسر الرقابة وتعلن العصيان ،فهي لا ترى امامها إلها يحمي رعاياه ، بل خصما (( رسالة الى زيوس ... أنا وحيدة ... اللعنة عليك كيف تتركني أعاني من كل هذه المعاناة ؟))(( اللعنة عليك استجب لي ولو لمرة واحدة )) هذا الخطاب فيه من التحدي للسلطة . يمثل رغبة عامة لطلبات مجتمع ، فحرمان العاطفة يقابله حرمان كلي لحاجات أخرى ، ربما مجرد التفكير بها يؤدي إلى غضب السلطة (( خمن الكل أنه سيغضب من وقاحة رعيته )) لتكون المفارقة بكل قسوتها ، حين (( فكر طويلا في شكل الحبيب والحب اللذين تطلبهما )) ولم يكن امامه إلا ان يحقق رغبتها في إرسال هاديس ملك العالم السفلي عالم الموتى ، ليحقق لها رغبتها ، ويسكن جسدها ، وينقذها من سجنها الجسدي (( وقبل ان ترحل مع هاديس إلى مملكة العطش ، أرسلت زفرة شكر للإله زيوس ، وغابت في الموت )) انه الشعور بالراحة ولكن من نوع آخر الموت الجسدي بعد كان موتا معنويا نتيجة الحرمان . لقد كانت المقابلة واضحة بين فعل الإله القاسي بإرسال الموت ، وبين استقبال الفتاة له بلهفة (( شعرت بسعادة العشق )) بعد خلاصها من سجنها الجسدي .انه الموت مقابل تحقيق الغايات فهذا السياب يقول :
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم،
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وان المصيبات بعض الكرم.
ان محاولة الفتاة للتغير تحققت على الرغم من التضحية بالنفس ، فالإله على الرغم من اصداره لمرسوم إلهي يمنع وصول رسائل العشاق إليه ، لأنه لا وقت عنده لوجع قلبه ، فشرب كثيراً ، وغرق في سبات طويل . ليأتي تعديل القاصة سناء شعلان على قصتها بمرسوم مفاده (( زيوس لم ينم في الليلة التي سكر فيها ، بل أمضى ليله باكياً ، وكتب رسالة إلى مجهول )) .
انها التضحية من اجل الآخرين لإحداث التغيير الذي يجب ان ينهض به احدهم