العدد الثامن النشاط الصهيوني وتأثيره على يهود العراق
ذكرنا في الاعداد السابقة بداية النشاط الصهيوني الذي كان بداية القرن التاسع عشر ,واستمر فيما بعده الى العهد الملكي في العراق حتى وصل الامر في الدعاية الصهيونية الى استغلال دور السينما اليهودية لتحقيق أغراضها , ففي أواخر عام 1927 عرض فلم (بئر يعقوب) في سينما الوطني ، وهو يمثل دعاية صريحة للصهيونية لمعالجته موضوع الهجرة الى فلسطين(1) الى ان توقف النشاط  سنة 1933م ,وطوال تلك الحقبة الزمنية لم يكن أي تأثير على يهود العراق في الدعايات الصهيونية الا بعدد ضئيل جدا .
ولكن في عقد الاربعينات تغير الحال ,أذ اتخذ مسؤولو الحركة الصهيونية في فلسطين بداية الأربعينيات قراراً يحث على ضرورة العمل جدياً للبدء بتهجير يهود الاقطار العربية ومنها العراق (2) , لاسيما ان يهود العراق بدأوا يعودون لممارسة حياتهم ونشاطاتهم المعتادة بعد احداث حزيران.
والمطلوب ان لا يعودوا لممارسة حياتهم الطبيعية ,فارسل الكيان الصهيوني مبعوثه شاؤول افيغـور الى بغداد ووصل في 15 تموز عام 1941 لغرض تنفيذ الخطة المرسومة والمدروسة له , ولكنه فشل في البداية ,فعاد في اذار  عام 1942 بمساندة القوات البريطانية المتواجدة داخل العراق , واتصل  بموشي تباح ، رئيس مجلس مدارس الأليانس في العراق ، وأبنه دافيد من اجل تنفيذ الاهداف التالية:
1.انشاء منظمات صهيونية مسلحة في العراق .
2.الارتبـاط بمنظمة الهاغاناه (3) ومؤسساتها في فلسطين وعلى نحو خاص قسم الهجرة اللاشرعية.
3.نظراً لصعوبة العمل السري في العراق ، يتولى قسم الهجرة اللاشرعية الاشراف على جميع نشاطات الحركات السرية بما في ذلك اختيار المبعوثين الذين يتم ارسالهم الى العراق ، وتدريب اعضاء المنظمة على استخدام السلاح وتأهيلهم للهجرة الى فلسطين (4) .
وواصلت الوكالة اليهودية بأرسل مبعوث تلو الاخر الى العراق لغرض تنفيذ الاهداف المذكورة , فأرسلت مبعوثها انزو سيريني(5) ووصل \بغداد في 15 آذار 1942 بصفـة مسؤول شركة (سوليل بونيه) (6).
وطلب من منظمة الشباب الحديدي للإنقاذ ,وهذه المنظمة  معروفة  (شباب الانقاذ) بإنشاء منظمة صهيونية مسلحة , لاسيما ان هذه المنظمة  تأسست  في سنة 1940 من قبل الحركة الصهيونية قبل احداث حزيران ,وظهر نشاطها في عام1942 ، وتحددت اهدافها بالتدريب على السلاح والاتصال بالمنظمات الصهيونية والهجرة الى فلسطين، واعتمدت على جمع التبرعات من يهود بغداد لتمويل نشاطاتها ، ونالت شهرة واصبحت معروفة بعد ارسال ندائها الى المنظمة اليهودية في فلسطين (لإنقاذ يهود العراق ) ، وحاولت الاخيرة الاستفادة منها كقاعدة يمكن بواسطتها تهريب لاجئين من أوربا الى ايران عن طريق روسيا ومن هناك تحاول الهاغاناه ادخالهم الى العراق ومن ثم تهريبهم الى فلسطين (7) .
وارسل سيريني طلبا الى جهاز الاستخبارات الصهيوني (الموساد ) يقضي بأرسال  مبعوثين آخرين لمساندتـه فـي عملـه , فارسلوا له عضوين من اعضاء ((اسراب الصاعقة)) وهما عزرا خضوري (8) ,و شماري كوتمان (9) , فأسسوا حركة الطلائعي في سنة 1942  , وفتحوا فرع لها يسمى منظمة هيحالوتس (10) في بغداد ومدن العراق .
وكانت مهمة المنظمة تثقيف الشباب اليهودي صهيونيا وتعليمهم اللغة العبرية ,وبواسطة الجنود اليهود الذين يخدمون في الجيش البريطاني ضمن القوات المتواجدة في العراق استطاعت ان تدخل الصحف والكتب ,و تنشئ المكتبات في بغداد والبصرة وكركوك.
وبعد اتساع نشاط منظمة (الطلائعي) استخدمتها واشرفت عليها  منظمة الهاغاناه  (11)  ,   لغرض تنفيذ مشروع هجرة اليهود من العراق الى فلسطين في نهاية عام 1943.
وضعت  هذه المنظمة اسساً خاصة في عملها التنظيمي ، منها ان الحد الادنى لعمر العنصر الذي يروم الانتماء اليها هو ثمانية عشر عاماً ، والانضباط التام ، وان يكون على استعداد لتأدية المهمات الملقاة على عاتقه ، ووضع بيته ونفسه تحت تصرف المنظمة ، والمحافظة على السلاح ، كما اعدت المنظمة قسماً خاصاً بها يلتزم به العضو الجديد
واخذت الهاغاناه على عاتقها تزويد منظمة هيحالوتس بالأسلحة والذخائر ودعم قائدها عزرا خضوري وبشكل مباشر مع موشي دايان و بمساعدة القوات البريطانية الموجودة في العراق.
وبعد عزل عزرا خضوري عن القيادة تولى شؤون المنظمة اربيه ايشلد في آب 1943 , فأختار احد بساتين التي يمتلكها أحداليهود في مدينة الحلة ,لتحويل  العمل الى تدريب على السلاح بشكل جماعي , ثم صنف المتدربين وجعل منهم قادة حضائر ,وارسل بعضهم للمشاركة في الدورات التي تقيمها منظمة الهاغاناه في فلسطين(12).
واصبحت مهمة منظمة الطلائعي تزويد منظمة الهاغاناه بالعناصر البشرية , والاخيرة اقتصر نشاطها على مدينة بغداد , فقامت الحركة الصهيونية بأرسال دان رام ,فدرب اعضاء المنظمة بنفسه من اجل تنفيذ مشروع التهجير .
وتوجه دان رام الى البصرة لإقامة فرع للمنظمة فيها وتجهيز عدد من المدربين لمواصلة العمل من بعده .
وفي المحاضرات التي يتلقها الاعضاء يتم اقناعهم بان الهدف من التنظيمات المسلحة انما هو للدفاع عن حياتهم وممتلكاتهم من احتمالات وقوع احداث مماثلة لتلك التي حدثت في حزيران.
وبعد انهاء التدريب يتم ايهامها بأنهم اصبحوا بخطر ,وجعلهم يصدقون بأن السلطات العراقية قد اكتشفت امرهم ,مما يدعوهم لترك البلاد والالتحاق بالعصابات الصهيونية في فلسطين.
وانشأت الحركة الصهيونية منظمة(همشواره) المسلحة , وهي منظمة سرية مهمتها التدريب والتزويد بالسلاح (13), وتعتبر الجناح العسكري للحركة الصهيونية السرية.
و منظمة (تنوعة بابل)  التي تأسست في بغداد سنة 1942 ,وكانت مهمتها بث روح الصهيونية بين أبناء الأقلية اليهودية , و جمع التبرعات من اليهود , و شراء الأسلحة من أجل التدريب,ونشطت هذه المنظمة في مدينة الحلة حيث كان رئيسها ساسون إسحاق شماس ,واعضائها هم :
مدرس العبرية أرييل سلمان , مدرس الأسلحة النظري أدور مير شاؤول, مدرب الأسلحة العملي رحمين معلم حسقيل ,سمحة كرجي كردي, الير ساسون ,  وآفلين مير شاؤول صالح , داود منشي إسحاق حييم , صالح عزرا , منشي شلومو , يوسف شلومو , موريس الياهو معتوق , شاؤول الياهو معتوق.
وفي سنة 1945 اصبح رئيس المنظمة يعقوب منشي ,وعضوية من ذكرناهم مع التالي ذكرهم :أفرا يم منشي , عزرا منشي كباي , نعيمة سلمان(14).
والى هنا لم تتأثر معظم الطائفة اليهودية لا بأحداث حزيران ولا بالدعاية الصهيونية ومنظماتها المتعددة التي ضمت بعض يهود العراق من ذوي ميول الافكار الصهيونية , او فكرة الهجرة الى فلسطين حتى كتب سيرينـي الى الوكالة اليهودية في هذا الصدد يقول : ((حدث تحول ملحوظ في الاسابيع الاخيرة في ميول السكان اليهود في العراق، حيث تلاشى حماسهم للهجرة الى فلسطين))(15).
واكثر من ذلك رفض الآباء اليهود توريط أبنائهم بالنشاط الصهيوني , وخصوصا الفتيات منهم كون العائلة اليهودية في العراق لم تكن تختلف في كثير من طبائعها وعاداتها وتحفظها عن العائلة العراقية عموماً (16).
       لقد بينا في العدد السابع احصاء عدد يهود العراق الذي يبلغ 118 الف نسمة لحد سنة 1947 ,وذكرنا بان عدد اليهود العراقيين الذين تركوا العراق نهائياً إلى فلسطين بين عامي 1924 و1944 لم يتجاوز الخمسة آلاف ,وهذا ما يدل على انهم لم يتأثروا .
ولكن تبين تأثر يهود العراق بالهجرة عندما استخدمت المنظمات الصهيونية حملة الترهيب بإرهاب الطائفة من خلال العمليات الارهابية  في نهاية الاربعينيات وبداية الخمسينات , فقد لمّح وزير الدفاع الإسرائيلي إلى كون العمليّات الإرهابيّة الصهيونيّة الّتي ارتكبت ضدّ يهود العراق بين شهري نيسان  عام 1950 وحزيران عام 1951م كانت من عمل الأجهزة السرّيّة الصهيونيّة، وذلك في تعليق له على فضيحة لافون المماثلة في مصر ضدّ المصالح الغربيّة عام 1954، والّتي قام خلالها ضبّاط المخابرات السرّية الإسرائيليّة( الموساد) بشنّ سلسلة من الهجمات بالقنابل على ممتلكات أميريكيّة وبريطانيّة في مصر، حيث قال: إنّ هذه الطريقة في تنفيذ العمليّات لم تخترع لتنفّذ في مصر فقط، فقد تمّت تجربتها أوّل مرّة في العراق.
وكلفت  أجهزة المخابرات السرية في إسرائيل  أحد نشطائها  السريين وهو المدعو موردخاي بن بورات بالسفر سراً إلى العراق في شهر ايلول سنة 1949 من اجل القيام بأعمال إرهابية ضد اليهود العراقيين لغرض تشجيعهم على مغادرة البلاد والهجرة إلى فلسطين (17).
ولذلك نفذت المنظمات التي ذكرناها اعلاه بعض الاعمال الارهابية ضد الطائفة اليهودية في العراق بأشعار من الكيان الصهيوني في مطلع الخمسينات ,وهذا بعضها :
1.تفجير قنبلة في مركز المعلومات الأميريكي الكائن في بغداد , وتحديدا في الجناح الثقافي الذي كان يرتاده يهود العراق ,فخلف الانفجار جرح لعدد منهم واضرار مادية(18).
2.في 8  نيسان 1950 الساعة التاسعة والربع استهدف مقهى الدار البيضاء اليهودي(19) حيث كان يهود العراق يحتفلون بعيد الفصح , اذ مرَّت سيَّارة تقلُّ بعض الشباب والقت قنبلة يدوية عليهم مما تَسَبَّبَ في إصابة أربعة منهم بجروح خطيرة.
3.في 10 ايار 1950 ألقيت قنبلة على واجهة صالة عرض السيارات التابعة لشركة بيت لاوي اليهودية في بغداد.
4.في 3 حزيران 1950 استهدف الحي السكني لأثرياء اليهود في البتاوين بقنبلة (20)
5.في 4 حزيران1950 بعد منتصف الليل انفجرت قنبلة في عمارة اليهودي ستانلي شعشوع في شارع الرشيد التجاري الرئيسي في بغداد.
6.في 14  كانون الثاني1951 نفذت المنظمات الصهيونية عملية ارهابية بالقنابل على معبد مسعودة شمطوف اليهودي في بغداد ,وراح ضحية ذلك ثلاثة اشخاص ,فضلا عن جرح عدد كبير من اليهود . وقد ارتطمت القنبلة بسلك كهربائي عالي الجهد، مما تَسَبَّبَ في كهربة الطفل اليهودي إسحاق الماخر، ورجلين يهوديين، وجرح ثلاثين آخرين إثر ذلك (21).
7.في 14اذار 1951 تفجير قنبلة في سوق تبضع اليهود الذي يقع في سوق الصفافير  شارع الرشيد في بغداد .
وهكذا عملت الحركة الصهيونية في العراق سلسلة من الأعمال التخريبية من تفجير وقتل وحرق لمحلات تجارية يهودية خلال المدة من ( نيسان 1950 – حزيران 1951) لإنجاح مخططها في ترويع اليهود وحثهم على الهجرة إلى (إسرائيل) من خلال أسلوب الترغيب والترهيب (22). مما ادى الى تأثرهم ومغادرة البلاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
(1)     هشام  عبد العزيز ، النشاط الصهيوني في العراق خلال فترة الانتداب ، ص42.
(2)     شلوموهيلل ، تهجير يهود العراق ، ص49.
(3)     حمدان بدر ، دور منظمة الهاغاناه ، ص290-291 
(4)     هشام عبد العزيز  , النشاط الصهيوني في العراق 1941-1946 ، ص65.
(5)     يهودي صهيوني من اصل ايطالي , حمل اسماً حركياً في العراق هو (اهود) ,
 (6)    شركة للمقاولات تابعه للهستدروت ،  ثم اصبحت خلال الحرب العالمية الثانية ضمن الوحدات التابعة للجيش البريطاني R.Bondy, op. Cit., P.195.
(7)     محمد موسى النبهاني ، ((نشاط المنظمات الصهيونية في العراق1921-1952))،آفاق عربية، العدد 12 عام1983،ص81.
(8)     اسمه الحركي في العراق (ثامر ناجي) .
(9)     اسمه الحركي في العراق (راي ديفيد).
(10)   منظمة صهيونية ,بداياتها كانت في روسيا سنة 1905, انظرحاييم كوهين ، النشاط الصهيوني في العراق ، ترجمة مركز الدراسات الفلسطينية ، ص165.
(11)   (وتعني بالعربية (الدفاع) ينظر حمدان بدر ، دور منظمة الهاغاناه في إنشاء إسرائيل ، ص290-291.
(12)   كاليهودي العراقي يحزقئيل يهودا , انظر حمدان بدر ، دور منظمة الهاغاناه ، ص245.
(13)   عبد الجبار فهمي ، سموم الأفعى الصهيوني ، ص143.
(14)   شامل عبد القادر ، أسرار عملية تهجير يهود العراق(1950-1951)  ص 275- 276 .
(15)   R.Bondy , op. Cit , P. 202.
(16)   Walid Khaduri, op. Cit., P.201.
(17)   اكتشف يهود العراق هذا الامر بعد رحيلهم من موطنهم الاصلي بسنوات , وأطلقوا على موردخاي لقب مُراد أبو القنابل، كون مُراد هو الصيغة العربية لاسم موردخاي.
(18)   سيتم ذكر التفاصيل في العدد القادم 
(19)   يقع في شارع أبي نؤاس في بغداد.
(20)   يقع في جانب الرصافة شرقي بغداد وهو من ضمن منطقة الباب الشرقي.
(21)   سنذكر اسماء المتهمين بهذا الحادث في العدد القادم.
(22)   عبد الرزاق الحسني ، تاريخ الوزارات ، ج8،  ،ص204.