في غرفة السيد المدير |
تزاحم الناس وتدافعوا أمام مكتب السيد المدير ( حفظه الله ورعاه وادام ظلهُ الوارف) وهم يحملون شكاوى و طلبات تعيين ، ليست الشجاعة والإقدام اللتان افتقر إليهما هما من أوصلاني الى هذا المكان لكنه تدافع المواطنين والقدر و المحتوم و ربما هو الحظ قد ابتسم لي لأول مرة وهذه فرصتي التي لا تعوض ، فها أنا قد صرتُ أمام تلك اللوحة المذهبة المنقوش عليها ( غرفة السيد المدير ) ليس بيني وبينه إلا ان امسكَ بهذا المقبض الذهبي لأكون وجهاً لوجه أمامَ سيادتهِ لأبُثَ له خلجاتَ شعوري و معاناتي وحتماً سيرقُّ لحالي حين يقرأ ( عريضتي ) التي كتبتها بدموع عيني لا مداد قلمي . ما يمنعني من الدخول الى هذه الغرفة ذلك الوحش المفترس الذي وثب أمام المراجعين وكأنَّهُ أسداً هصوراً عيناهُ تدوران في كل اتجاه في لحظة واحدة ، اسمعه يزأر يحاول إخراج من اقتحموا المكتب ، عرفتُ من تلك اللوحة التي أمام مكتبهِ انه ( السيد السكرتير) هو يُشبه رجال الأمن فهو طويلُ القامة ضخمُ الجسم مفتول العضلات عريض ما بين المنكبين له رأسٌ أصلع يلمع كالمرآة فلقد رأيتُ جزءاً من وجهي في رأسه وهو يهُّم بإخراج المقتحمين . قلتُ في نفسي : علي أن استغل هذه الفرصة فالحظ لا يبتسم إلا مرة واحدة في العمر نعم هذه فرصتي فقد انشغل ذلك الضخم عني توكلتُ على الله وقرأت ما تيسر من الذكر الحكيم وأنا أسدل مقبض باب السيد المدير حتى أكون وجها لوجه امام سيادته : سلام عليكم ، قلتها وانتظرتُ منه الجواب رفع نظارته قليلا وصار ينظر إلي من أسفلها وكأنني شيء من أثاث مكتبه : (عليكم السلام ، تفضل ) وأشار إلي بالجلوس .قلتُ في نفسي : ( هي بشائر خير تلوح بالأفق ): ( الله بالخير ) بينما راح يحدق بي من أعلى نظارته هذه المرة : (الله بالخير أستاذنا الكريم ) لا أعرف لماذا تذكرتُ دروس حسابات الأرباح والخسائر وبحوث العمليات للوصول إلى الحل الأمثل حين رأيته يحدق بي ، اعتقد أنه كان يحسبها هكذا : ( تفضل أمر خدمة ) : ( عفواً استاذ , ما يأمر عليك ظالم , أنا مواطن وهذه معاملتي أريد التعيين ) , ارتدى نظارته وتجاهلني وراح يحدق بالورق الموجود على مكتبه بينما راحت سبابته تضغط على الزر الذي أمامه , سمعت صوت الجرس وما هي الا لحظات حتى دخل ذلك الرجل الضخم الذي يشبه الثور الهائج , وبإشارة منه اعقبتها ( طرَّة ) وجدتُ نفسي خارج مكتب السيد المدير مع الأخوة المواطنين ، بالوقت الذي دخل الى مكتبه رجل بلحية كثة ويضع على رأسه عمامة وسمعت صوت المدير مهللا ومرّحبا بضيفه وهو يردد : حلّت البركة علينا .. ياأهلا وسهلاً ..اليوم فقط علمتُ بأن السيد المدير ينوي ترشيح نفسه لأنتخابات مجلس المحافظة بدعم من حزب ديني متنفذ ، وأحسستُ بألم في مفصل كتفي الأيمن اثر ( الطرَّة ) التي تلقيتها من ذلك الأسد الهصور … ملاحظة : ينبغي ان اخبركم بأن معنى كلمة ( طرَّة ) هي دفعة قوية ودائما يصاحبها خلع بالكتف مثل تلك حصلت معي في غرفة السيد المدير . |