التذابح العراقي إلى أين ؟!!

 

العراقيون يعيشون المذابح منذ أنْ أسقط هولاكو بغداد عام 656هـ/1258م ،بعد أن هُزم جيشُ الخليفة بقيادة مجاهد الدين أيبك وقتلهم الخليفة المستعصم في 10شباط 1258، وبمقتل الخليفة العباسي انتهت الخلافة العباسية ، ودُمّرتْ بغدادُ، وقدر من قتل من أهلها ومن حولهم بمليوني قتيل . 
و يعيش العراقيون مذابح سياسية عديدة امتدت منذ الاحتلال العثماني ومن بعده الاحتلال البريطاني ، ثم حروب فلسطين، وحروب الأكراد، وحروب الخليج، والحروب السياسية بين 1936 ـ 1959،وبين حكومة البعث والشيوعيون عام 1963، وبين حكومة البعث والإسلاميين عام 1968، وبين حكومة صدام حسين والأحزاب العراقية المعارضة عامة ، وحكومة صدام حسين ودول الجوار ، وحكومة صدام حسين وخصومه السياسيين، وحكومة صدام حسين وأهله،انتهاء بحكومة صدام حسين ودول التحالف.
بعد أحداث نيسان/2003 بدأت مرحلة سياسية تعد من أخطر المراحل السياسية التي مرّت على الشعب العراقي، وذلك للأسباب التالية :ـ
1. التحول المفاجئ من الدكتاتورية المتسلطة إلى الديمقراطية المنفلتة
2. سهولة الوصول إلى السلطة 
3. مطامع الوصول إلى السلطة 
4. تدخل قوى خارجية إقليمية في الشأن السياسي العراقي

أولاً : التحول المفاجئ من الدكتاتورية المتسلطة إلى الديمقراطية المنفلتة:
لقد تعوّد الجيل العراقي المعاصر داخل العراق على سلطة دكتاتورية تمسك بيد من حديد على كافة شؤون العراق، وهذا ما يجعل من الصعب أن يتكيف هذا الجيل من الشعب على حالة من الديمقراطية الجديدة، فتم تفسيرها تفسيراً خاطئاً ، كما تم التعامل معها تعاملاً خاطئاً أيضاً، إذ تصوّر الكثير بأنَّ الديمقراطية تعني الانفلات السياسي في التعاطي مع الحكم .

ثانياً : سهولة الوصول إلى السلطة : 
رأى الكثير من العراقيين ، ومن خلال الترشح للانتخابات التي تؤول نتائجها إلى الوصول إلى السلطة ، بأنّ عملية الوصول إلى السلطة في العراق أمرٌ ميسرٌ جداً، وهذا ما أدى إلى ولوج أيّ كيف تشاؤه القائمة السياسية المرشحة ، وفقاً لقناعاتها الخاصة، بمعزل عن قناعات الكيانات السياسية الأخرى، ربّما؛ سيخلق قيادات حكومية لا ترضى عنها القناعات الأخرى .

ثالثاً : مطامع الوصول إلى السلطة : 
بعد أن حُددتْ رواتب مليونية كبيرة شهرية إلى السلطويون .. وزراء..أعضاء برلمانيون..أعضاء مجالس المحافظات .. قضاة .. قادة عسكريون .. الخ ، أصبحت عملية الوصول إلى هرم السلطة عملية ذات مردودات  شخصية عظيمه ، تؤهل القائمين على العملية السياسية بأن ينالوا حظوتهم عند بيت مال الجمهورية ، وهذا ما جعل التهافت على بلوغ قِمّة الهرم ، يعني التهافت الذي يخلق برجوازيات سياسية صغيرة طويلة المدى.. تمتد لما بعد التقاعد عن العمل السياسي.
 ربّما؛ لو كانت الرواتب ليست كما هي عليه الآن ، لتحجّمَ حجمُ هذا التهافت.

رابعاً : تدخل قوى خارجية إقليمية في الشأن السياسي العراقي :
نرى أنَّ الأحزاب الداخلة في العملية السياسية حالياً ، إما أن تكون منضوية تحت أولوية إقليمية أصلاً، وإما أن تكون متهمة ، وهذا ما يجعل العملية السياسية في العراق مشوبة بالقلق السياسي، حتى تثبت الأحزاب العكس ، من خلال الولاء الحاسم للوطن (فقط) !!! ومصلحة الشعب (فقط)!!!

والحالة هذه ؛ 
فالعراقيون منذ زمن بعيد وهم يعانون من مأساة التذابح السياسي بعضهم بعضا ...
وتَذابَحوا: ذَبَحَ بَعضُهم بعضاً............. (القاموس المحيط)
ومهما يكن من أمر ؛ فإنَّ التذابحَ السياسي بين العراقيين .. بعضهم بعضا، لمّا ينتهي !!!
بالأمس القريب كان هنالك تذابح بين الحكومة وأبنائنا من جيش المهدي في النجف
بالأمس القريب كان تذابح بين الحكومة وإخواننا بالفلوجة
اليوم تذابح بين الحكومة و إخواننا في الحويجه 
وكأنَّ العراقَ مسرحٌ للتذابح دائماً ، مرّة ً من العدو الغازي ، مرّة من المحتل، مرّة من المختل، مرّة من أنفسنا ، وكأننا مسرح دمى يضحك علينا الآخرون ، بسبب جهلنا بالاستخدام الأمثل للعملية السياسية .
يعيش العراق اليوم نعمة ً ما مرّت عليه نعمة ٌ سياسية مثلها ، منذ خلافة علي بن أبي طالب (ع) في الكوفة حتى اليوم !..
لكن؛ نحن لا نعرف كيف نستخدم آلة الفرصة الديمقراطية هذه ، تماماً كالبدوي الذي يجهل استعمال الستلايت والحاسوب ، لكنـّه ؛ يتقن الركوب على الجمال ، ويتقن عملية حلب النوق.

لقد فتحتْ مفوضية الانتخابات أبوابها على مصراعيها أمام العراقيين، وفرشت الانتخابات الديمقراطية  أوثر سررها وأرائكها تحت أصابع العراقيين البنفسجية، وقالت هيت لكَ يا عراق !
لكن؛ (العراقيون الجهلة) غير (العراقيون المتحضرون) ...
الذي لا يرى الانتخابات الديمقراطية ممارسة حضارية في الأوطان ، هو كائن ٌمتخلفٌ حتماً..والذي لا يريد للعراق أن تحكمه حكومة ديمقراطية منتخبة ، هو عدوٌّ للعراق حتماً،
 الذي نتمناه ؛ قبول النتائج الانتخابية النزيهة ، وقبول العناصر التي أجمع التصويت عليها، بأن تكون واجهات سياسية في الدولة العراقية تعبر عن رأي المجموع ، أو الجمع الأكبر في الوطن،وأنَّ قبولنا بنتائج الانتخابات ، أو عدم قبولنا لا يعني ، إلا ّ اللا قبول بالواقع الانتخابي الجماهيري لعراق اليوم ، فلم يُضْرَب ْ مواطنٌ عراقيٌّ على يده كي ينتخب، ولم يسحل بالحبال كي ينتخب، ولم يضرب على قفاه كي ينتخب، ولم يُرشى لكي ينتخب ، ولعن الله من انتخب مرتشيا .
 فلماذا التذابح إذن ؟!! ونحن من صوّت على الأكثرية ، ونحن من عزف عن المشاركة، أليس الأجدر بنا أن ندخل العملية السياسية ، بجميع إغراءاتها وميسورياتها ، وننال ما يناله الفائزون ، بدلاً من أن نتذابح ونتكالب على إراقة الدم العراقي الغالي ؟!!!