البركان السني

 

العين  التي تنبع ماءً يكون عادة صافيا طيبا , وكلما ابتعد عن العين أثناء جريانه تتعلق به  الشوائب والأتربة .. هذه القضية تنطبق على الرسالة السماوية , فهي نقية من منبعها , ولكن الفترة التي تفصلنا عن وقت نزولها , ووفاة الأئمة المعصومين عليهم السلام وغياب الإمام الثاني عشر {عج} تعلقت شوائب في عقيدتنا حتما , وتغيرت شعائرنا كثيرا , ولكن وجود العلماء , ومن يذب عن الشبهات والشوائب بقدر الإمكان لتبقى العقيدة صافية كما نزلت على النبي {ص} هذا في الفكر الشيعي ..

   أما عند أخواننا السنة فالمسالة لا اختلاف فيها عنا , غير إن المذاهب السنية ارتبطت بالسلطات الحكومية , وأصبح للسلطان نفوذا كبيرا على العقلية السنية .. هذا يعني إن الحكومات التي تنتهج سياسة معينة , لابد تقوم بلي النصوص الدينية وفق سياستها , لتكون الدولة ممثلة للمذاهب السنية , وأصبحت شرائح واسعة جدا من السنة يعتقدون إن حكومة  المملكة السعودية أو مصر أو دول الخليج ممثلة للدين , في وقت يعرف القريب والبعيد إن الأيدلوجيات الحكومية تلبست بالدين وحرفته وعلقت به شوائب , وصار اتهام جميع المسلمين السنة والشيعة كفره يجب قتلهم وسبي نساءهم , أما غير المسلمين فحدث ولا حرج .

ومن تلك الشوائب حركات حكومية مشبوهة هي الحركة الوهابية والتيار السلفي التكفيري , وتحقق الصدام بعد ثورة مصر وسقوط نظام مبارك في 25 يناير 2011, ظهر السلفيون على حقيقتهم وتكفيرهم للأخوة السنة في مصر وغيرها من بلاد الإسلام ..

ما جرى للسنة في العالم العربي والإسلامي بعد ظهور القاعدة وطالبان وداعش والنصرة وعشرات المنظمات المدعومة من الحكومات المشبوهة والدول الكبرى .. صدرت على أثرها  فتاوى تقول علنا بكفر المذاهب السنية ..

 وتوسعت الفجوة بين الأزهر  قلعة الفكر السني ومؤسسات ال سعود , وصل الأمر إلى تكفير مؤسسات الأزهر الشريف برمته  وعدم اعتراف التيارات الوهابية والسلفية بتسنن المذاهب السنية ..!!  تعرضت مؤسسة الأزهر لهجوم  لانتهاجها المذهب الأشعري،هجوم السلفيين يقول صراحة بتكفير الأزهر الشريف، وبعد ثورة 30 يونيو واتخاذ السلفيين جانب الدولة في مواجهة الإخوان هدأت نبرة التكفير وتراجع الهجوم السلفي على الأزهر، وبدأت الاتفاقات فيما بينهم وتدخل شيخ الأزهر لدى وزارة الأوقاف للسماح للسلفيين في اعتلاء المنابر، وبدأ التنسيق فيما بينهم , وتغاضى الطرفان عن الخلاف العقائدي وتكفير الآخر من أجل السياسة؟ في زمن مرسي .. بعدما خسرت الدعوة السلفية وذراعها السياسية "حزب النور" الانتخابات البرلمانية 2015 وبدأت تعود مرة أخرى إلى ما كانت عليه قبل 2011 بشن الهجوم على الأزهر. حيث تعد العقيدة الأشعرية لدى السلفيين  المنتمين إلى الوهابية السعودية  بخلافها عن  العقيدة السلفية {عقيدة أهل السنة والجماعة} المستمدة من نصوص الكتاب والسنة..

 على اثر التطورات عقد في الأيام الأخيرة مؤتمرا كبيرا لجميع علماء السنة في العالم في العاصمة الشيشانية (غروزني)، حضره عدد من علماء الأزهر ومشايخ محسوبين على الطرق الصوفية، موجة غضب عارمة في العالم الإسلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حين استثنى القائمون على المؤتمر دعوة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين جماعة يوسف القرضاوي .. وهيئة كبار العلماء في السعودية .. ومنظمة التعاون الإسلامي ..وغيرها من المؤسسات الدينية، باعتبارها لا تمثل الإسلام السني , وأنها غير مؤهلة لتحديد هوية "أهل السنة والجماعة".

 وكان مؤتمر (غروزني) عاصمة الشيشان  برعاية الرئيس "رمضان قاديروف"، تحت عنوان "من هم أهل السنة والجماعة؟"، حضره لفيف من علماء السنة ,من أبرزهم الوفد المصري الذي يترأسه شيخ الأزهر أحمد الطيب والشيخ علي جمعة، وشيخ الطرق الصوفية وعضو البرلمان المصري عبد الهادي القصبي، والشيخ أسامة الأزهري مستشار السيسي رئيس الجمهورية , ووكيل اللجنة الدينية بالبرلمان.وعلى اثر النقاشات الفكرية أصدر المركز الإعلامي بالأزهر بياناً حول موقف شيخه أحمد الطيب من مؤتمر غروزني الخاص بتعريف من هم "أهل السنة والجماعة"، وذلك بعد الانتقادات القاسية التي خرجت من أوساط سعودية احتجاجاً على { استثناء السلفية من قائمة المشمولين بتلك الصفة} في نفس الوقت شن كُتّاب سعوديون إلى ترك الرئيس المصري "ليواجه مصيره" بسبب قرار المشاركة في المؤتمر. وعبّر عدد من علماء السعودية عن استيائهم من التوصيات التي خرج بها المؤتمرون، معتبرين ذلك بداية انقسام للأمة واتهموا جهات تتخذ من الدين ستاراً لها لتمزيق صف المسلمين وفتح نوافذ للفتنة بين مذاهب أهل السنة والجماعة،..هذا المؤتمر وما خرج فيه من توصيات  يعتبر بركان سني ضد الباطل الذي يراد إلصاقه بالسنة والجماعة .

وأثار أحمد الطيب، شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين ,أموراً تعد موضع خلاف في مذاهب أهل السنة،ونقل عن السفَّاريني قوله: "وأهل السُّنَّة ثلاث فِرَق: الأثريَّة وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي"، المراد قوله: " بان أهل السُّنة هم أهل الفِرَق الأربع فقط : المحدِّثون والصُّوفية والأشاعرة والماتريدية"، معبراً بذلك عن رأي مشيخة الأزهر الواضح في هذه القضية،{واستثنى جميع التيارات السلفية التي تدين بها المجتمعات الخليجية.خاصة التيار الوهابي التكفيري}. الذي يعتبر محور البلاء على المذاهب السنية ..

وقد عبر عدد من الكتاب المحسوبين على تيارات التكفير إن هذا المؤتمر يمثل دين الجوار واعتبر بعضهم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحكومة الإيرانية هي من دعت ومولت المؤتمر .. ولكن هو بركان وستأتي نتائجه بعد حين .